قصّة الإمارة والتجارة في الشركة الوطنية والعيش الكريم!

إعلان وزير الأشغال العامّة والإسكان الحالي عن حلّ "الشركة الوطنية للتطوير والعمران" يسدل الستار على قصّة نموذجية لما يطلق عليه "جمع الإمارة والتجارة" وفق التعبير التراثي" أو "تضارب المصالح" بين المسؤولية العامّة والمنفعة الخاصّة وفق التعبير الحديث. هذه الشركة كان يفترض ان تشرف على المشروع الهائل "سكن كريم لعيش كريم" وفق خطّة وزير الأشغال العامّة السابق م. سهل المجالي.

اضافة اعلان

كانت المبادرة الملكية "سكن كريم لعيش كريم" قد أثارت الكثير من الدهشة والإعجاب في حينه لفرط ضخامتها وطموحها وهو بناء 100 ألف شقّة لإسكان الفقراء بمعدل 20 ألف شقة سنويا. والفكرة كانت ببساطة كالتالي؛ الدولة تقدم الأرض والبنية التحتية (وهي في العادة تساوي نصف قيمة العقار) والمقاولون يبنون فلا يتجاوز ثمن الشقة 15 – 17 ألف دينار تقسط للفقراء على عدد طويل من السنوات! فكرة هائلة أثارت الرأي العام وفتحت شهية كل أصحاب الدخل المحدود.

تولّت وزارة الاشغال العامّة برئاسة المهندس سهل المجالي وضع المشروع موضع التنفيذ وكانت خطتها إنشاء شركة مستقلة مملوكة للدولة "الشركة الوطنية للتطوير والعمران" تتولى إدارة المشروع وتتعاقد مع ائتلاف شركات كبرى قادرة على التنفيذ وستحصل الدولة على نصف الشقق مقابل الأرض والبنية التحتية (الطرق وتمديدات الماء والكهرباء والمجاري . .الخ) وتقوم الشركة المملوكة للدولة ببيع الشقق للمواطنين بسعر لا يقلّ عن 35 ألف دينار.

عرض الوزير في حينه المشروع أمام مجموعة من الإعلاميين فأصابتنا بصورة ما خيبة أمل بسبب الأسعار، واعترض البعض على الآلية وشهدت الصحف سجالات وتطوع البعض لتقديم حلول بديلة تخفض الكلفة.

تم إنشاء الشركة الوطنية وتعيين إدارة وكادر لها, وشُكلت لجنة عطاءات حكومية خاصة بالمشروع خاطبت الشركات للتقدم بعروض, فتقدم للمشروع جهتان فقط هما "ائتلاف عيش كريم" وشركة المقاولات المملوكة للقوات المسلحة مع فارق واضح في العرض لصالح "عيش كريم", والغريب ان المهلة الزمنية بين مخاطبة الشركات وآخر موعد لقبول العروض هو 25 يوما فقط (من 21/5/2008 الى 16/6/2008) وهي غير كافية إطلاقا لدراسة المشروع الضخم وتقديم عروض الا من قبل من تهيأ سلفا ومبكرا لذلك.

سيتضح أن شريكا رئيسيا في ائتلاف "عيش كريم" هو شركة الأوسط العائدة ملكيتها لوزير الأشغال العامّة نفسه. ولاحظ ديوان المحاسبة ذلك واعترض عليه، وبناء على ذلك قام رئيس دائرة العطاءات المركزية (أحيل على التقاعد لاحقا) بتوجيه كتاب استفساري في 25/6/ 2008 الى الائتلاف حول هذا الأمر الذي يقتضي التصويب، وقاوم المدير ضغوطات  لسحب الكتاب، ثم اثناء غيابه في مهمّة خارجية تمّ ارسال كتاب بتاريخ 3/7/ 2008 (أي بعد 8 ايام فقط) بتوقيع المدير بالوكالة يلغي الكتاب الأول. بيد أن خبر وجود شركة الأوسط في الائتلاف كان قد تسرب الى الصحافة وبات متداولا فتمّ سحب شركة الأوسط من الائتلاف.

رأت لجنة العطاءات ان السعر المعروض من ائتلاف عيش كريم مرتفع وفاوضت على تخفيضه ولم تنجح المفاوضات، وبدأ التشكيك بالصيغة كلها وتعثرت الخطّة وتم نقل المسؤولية عن الملف كله الى مؤسسة الاسكان.

في التعديل الوزاري انتقل وزير الاشغال الى وزارة النقل العام تاركا وراءه الشركة الوطنية التي لم يعد واضحا ما هي وظيفتها الى أن اقدم وزير الاشغال الجديد قبل ايام على حلّها. حينها سيعرف الرأي العام أن راتب مديرها العام كان 8 آلاف دينار شهريا لا غير (هل هناك امتيازات اخرى؟) وبلغ مجموع نفقاتها وهي لم تفعل بعد شيئا على الاطلاق ما يقارب مليون دينار! كانت ستبني 50 شقة سكن كريم!!