قضايا "الشكاوى الكيدية": تطبيق للقانون وضياع للحقوق

 أحمد التميمي

إربد –  ما زالت "الشكاوى الكيدية" أحد الأمور التي قد يتعرض لها أي شخص من دون سابق إنذار، ليقع ضحية ما يعتبره اختصاصيون "الأخذ بنص القانون"، وتطبيقه بشكل حرفي.
فمن صاحب حق، قد يتحول الشخص بفعل شكوى كيدية مدعمة بتقارير إلى مُعتدٍ رغم أنه معتدى عليه، ويجد نفسه خلف القضبان موقوفا ينتظر عرضه على المحكمة للاقتصاص منه. 
فتحت آلام كدمات تلقاها من أحد الأشخاص على خلفية مشادة كلامية يتوجه علي السالم (30 عاما) إلى أقرب مركز أمني لتقديم شكوى بعد حصوله على تقرير طبي ليفاجئ بأنه مطلوب لدى نفس المركز إثر شكوى مقدمة بحقه ومدعمة بتقرير طبي.
ورغم تأكيده بأنه لم يقم بالاعتداء على الشخص الآخر، وأنه تم الاعتداء عليه تحسم التقارير الطبية المقدمة من كلا الطرفين القضية على أنها مشاجرة لتنتهي بتوقيف الطرفين تمهيدا لتحويلهما إلى القضاء أو قبول المصالحة وإخلاء سبيلهما.
ووسط شعور علي بأنه صاحب حق مهضوم يقبل بالمصالحة متفاديا تعرضه للتوقيف ليغادر المركز الأمني وبمخيلته مئات الأفكار حول كيفية تحصيل حقه.
وتعد حالة علي واحدة من بين المئات من الحالات التي يشعر بها مواطنون أنهم أصحاب حق مهضوم.
وتختلف قضايا المشاجرات بين الأشخاص والتي يصبح فيها المعتدي والمعتدى عليه مذنبين أمام القضاء الذي يعتمد شكوى مقابل شكوى وكل واحدة مدعمة بتقرير طبي.
ومن المفارقات بالموضوع أن تقديم شكوى بالتعرض للضرب والاعتداء لا يتطلب سوى الحصول على تقرير طبي، وهو الأمر الذي يسهل تحقيقه بسبب عدم اعتماد جهة رسمية واحدة للحصول على مثل هذه التقارير والتي من الممكن أن يكون لها دور في الكشف عما إذا كان أحد الأشخاص قام بإيذاء نفسه للادعاء على شخص آخر أم لا.
ويشير مصدر في مركز الطب الشرعي لإقليم الشمال أن من أبجديات علم الطب الشرعي معرفة ما إذا كان الشخص تعرض للضرب والاعتداء نتيجة مشاجرة وتحديد وقتها، أم قام بإيذاء نفسه أو الطلب من شخص آخر إيذاءه من أجل الحصول على تقرير طبي ليتم استغلاله في تقديم شكوى.
غير أن المصدر أوضح،  أن دور المركز أو أي جهة تمنح التقارير الطبية لا ينطوي على الكشف عن كيفية الاعتداء، بل يتوقف عند وصف الحالة من حيث وجود كدمات أو احمرار أو كسر أو غيرها من الأمور التي تصف حالة الشخص.
ويؤمن المصدر بضرورة أن يكون هناك دور لمراكز الطب الشرعي في الإسهام بكشف العديد من اللبس، على أن يتم تعزيز طواقم المركز لتمكينه من القيام بواجباته على أكمل وجه في ظل تكاثر القضايا المماثلة مقابل نقص حاد في طواقم المركز.
ويتفق مع وجهة النظر السابقة مصدر مطلع في شرطة إربد طلب عدم ذكر اسمه، والذي يؤكد على ضرورة أن يكون هناك جهة واحدة معتمدة لإصدار التقارير، وأن لا يتم اعتماد أي تقرير طبي صادر عن جهة غير الطب الشرعي.
وقال المصدر، إن دور المراكز الأمنية يتوقف عند حد الأخذ بالشكوى والإفادات وليس التحقق من صحة التقرير الطبي، وحال وجدت شكوى مقابل شكوى يتم توقيف الطرفين تمهيدا لتحويلهما للقضاء صاحب الفصل بالقضايا.
وأقر المصدر بوجود شكاوى مفتعلة من خلال إقدام أشخاص على إيذاء أنفسهم والحصول على تقارير طبية وتقديم شكوى بحق أشخاص آخرين، ليصبح وقتها المعتدي والمعتدى عليه صاحبي شكوى يفصل بينهما القضاء حال استمرت الشكاوى.
وتتنوع طرق الإيذاء الجسدي من أجل الحصول على تقارير طبية بين إقدام الأشخاص على ضرب أنفسهم بآلة حادة في مناطق لا تؤدي إلى الإضرار البليغ، وبين استخدام العملات المعدنية لحف مناطق مختلفة من الجسم والتي تظهر بأن الشخص تعرض لكدمات، إلى المبالغة في إطلاق عيار ناري على أحد أطراف جسمه بشكل يلامس الطرف ولا يخترقه، وتقديم شكوى بأنه تعرض لإطلاق النار.
وأمام مقترحات الجهات الرسمية حول الحد من شكاوى الضرب والإيذاء الكيدية يقترح المحامي حاتم بني حمد أن يتم عمل جدول وكشف بأسبقيات الطرفين قبل إحالتهما إلى المحكمة حتى يكون لدى القضاء رؤية واضحة عن الطرفين، على الرغم من إشارته إلى أن هذا المقترح قد يكون له إسهام في التوصل للحقيقة غير أنه غير كافٍ.
ويزيد بني حمد أن هناك قاعدة جزائية يجب تفعيلها لغايات الوصول إلى الحقيقة وهي قاعدة القناعة الوجدانية لدى القاضي الجزائي الناظر للمشكلة، مؤكدا على ضرورة تفعيل هذه القاعدة والتي تسهم في دقة قرار القاضي في توقيف شخص والإفراج عن آخر.
ويرى بني حمد أن تحقيق الأمرين السابقين سيدفع باتجاه تخوف المشتكي الكيدي من تقديم شكوى كيدية لعلمه المسبق أنه سيكون أمام قاضٍ سيكشف أمره بعيدا عن اعتماد التقارير الطبية.
ويوافقه بالرأي المحامي أمجد بني هاني الذي يقترح تفعيل "السلطة التقديرية" لدى القضاة وعدم الارتكان فقط للتقارير الطبية المقدمة في اتخاذ القرار، منوها إلى أن القاضي لا يمكنه أيضا إهمال التقارير الطبية وأن المشتكين أمام القضاء سواسية.
وأضاف بني هاني أن القضاء أعمى والقاضي يحكم بناء على أدله بغض النظر عن الأسبقيات الجرمية السابق للمشتكين، مؤكدا أن موضوع الشكاوى الكيدية أمر شائك بحاجة إلى مؤتمر عام لمناقشة قانون الجرائم وتعديله.
واقترح بني هاني مؤقتا من أجل حل المشكلة ان لا يعتمد القاضي على التقرير الطبي الأولى للمشتكين ويتم تحويلهم مباشرة إلى لجنة طبية في مركز الطب الشرعي لفحصهم مرة أخرى، وبالتالي يظهر أن التقرير صحيح أما لا.
أما الاقتراح الثاني، فيتمثل، وبحسب بني هاني، تغليظ العقوبة على الشخص الذي يثبت تورطه بالتحايل على القضاء بإحضار تقارير طبية غير صحية، وبالتالي فإن المشتكي بهذه الطريق يعد للمائة قبل الإقدام على تقديم شكوى بحق آخر.
وقال إن قضايا الإيذاء وفي حال لم يتم المصالحة بينهم يتم توقيف المشتكين لمدة 14 يوما على ذمة التحقيق ويجوز التمديد، مؤكدا أنه يجب إلغاء التوقيف في قضايا الإيذاء حتى لا تكون مبررا للشخص المظلوم المبادرة لإسقاط حقه حتى لا يتعرض للتوقيف.
كما أشار بني هاني إلى وجود ما اعتبره لوما على الطبيب الذي يمنح التقرير الطبي، من حيث ضرورة توافر القناعة لدية بأن الشخص معتدى عليه بالفعل، إضافة إلى إجراء تحقيق حول كيفية الاعتداء، على أن يتم توظيف ذلك في كتابة التقرير والتي من شأنها الإسهام أكثر في كشف الحقيقة والوصول إليها.
وتنص المادة 333 من قانون العقوبات الأردني على أن "كل من يقدم قصدا على ضرب شخص أو جرحه أو إيذائه بأي فعل مؤثر من وسائل العنف والاعتداء نجم عنه مرض أو تعطيل عن العمل مده تزيد على 20 يوما عوقب بالحبس من 3 أشهر إلى 3 سنوات".
كما تنص المادة 334 في الفقر 1 "إذا لم ينجم عن الأفعال المبينة في المادة السابقة أي مرض أو تعطيل عن العمل أو نجم عنها مرض أو تعطيل عن العمل، ولكن مدته لم تزد على 20 يوما عوقب الفاعل بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بغرامة لا تزيد على 25 دينارا أو بكلتا هاتين العقوبتين".
كما تنص الفقرة 2 إذا لم ينجم عن الأفعال المبينة في المادة السابقة مرض أدى إلى تعطيل عن العمل تزيد مدته على 10 أيام، فلا يجوز تعقب الدعوى من دون شكوى المتضرر كتابة أو شفهيا، وفي هذه الحالة يحق للشاكي أن يتنازل عن شكواه وعندئذ تسقط دعوى الحق العام".

اضافة اعلان

[email protected]

@tamimi_jr