"قنابل" في بيوتنا!

الطفلة التي لم تكمل عامها الثاني عشر، تأتي لوالدتها بعينين ممتلئتين باللوم والعتب، وكذلك بالغضب. تتحدث معها بنبرة غير اعتيادية، وتقول "إحنا ليش ما عنا بيت فخم وكبير وحلو.. لي ما عندي غرفة كبيرة لملابسي، ولا فساتين كثير مثل البنت إلى بشوفها على اليوتيوب"!اضافة اعلان
تستغرب الأم من لهجة طفلتها التي أصبحت تقارن دوما ما تمتلكه هي، بالحياة "الفخمة" التي تعيشها من تتابعها باستمرار وتعتبرها مثلها الأعلى، ما يشعرها بالإحباط!
ليس ذلك فقط، فهذه الطفلة بدأت تنتقد حياتها باستمرار، وترى أن هناك أشياء كثيرة تنقصها، وتتمنى لو أن والديها كانا مثل والديّ الفتاة التي تتابعها، لتبدأ بالـ"زنّ" المستمر على أمها أن تأخذها لأفخم المحلات لشراء ما تريد من ثياب ومستلزمات، رغم أنها تعيش بمستوى جيد نوعا ما.
هذه الطفلة ليست وحيدة؛ فأمام هذا العالم الذي نعيشه، وعصر السوشال ميديا الذي يصعب جدا أن نحجبه أو نغيّبه كاملا عن أبنائنا، بتنا نرى في أعين الأطفال والمراهقين شعورا دائما بـ"الخيبة" وعدم الرضا وغياب القناعة عن واقع حقيقي يعيشونه بين أسرهم، بسبب ما يرونه من عالم "وردي" ومثالي، ورفاهية وترف كبيرين لأشخاص يعتبرون أنفسهم مؤثرين.
يعيش المراهقون مرحلة خطيرة من حياتهم، ربما لا يدرك كثيرون أبعادها المرعبة، وهم يأخذون المشاهير والمؤثرين أنموذجا لهم، يتابعون جميع تفاصيلهم اليومية، ويحاولون تقليدهم، متأثرين بأسلوب حياتهم وسلوكياتهم وتفكيرهم البعيد عن واقعنا وثقافتنا وطريقة تفكيرنا وعاداتنا وضوابطنا الاجتماعية والأخلاقية.
استطاع أولئك "النجوم" أن يعبثوا بعقول هؤلاء المراهقين، وطريقة التعبير عن مشاعرهم، مسببين لهم انعدام الثقة بمظهرهم وأشكالهم، لأن من يرونهم باستمرار على مختلف مواقع التواصل، يتمتعون بجمال فائق يفتقدونه!
في دراسة خطيرة نشرت نتائجها مؤخرا تحكي عن قيام مراهقين وأطفال بإيذاء أنفسهم، عبر إحداث جروح أو حروق أو تشوهات بأجسادهم، معتقدين أن ذلك يخفف من الضغوطات والمشاعر المكبوتة، ويوفر الراحة النفسية لهم. المتسبب في ذلك كانت وسائل التواصل الاجتماعي والبرامج التي تثير المشاعر السلبية من غيرة وقهر، وإحساس بالنقص.
المراهقات تحديدا ممن يحددن يومهن وكل تفاصيلهن بِمَا يتابعنه من فيديوهات وصور على انستغرام وسناب تشات وغيرهما؛ يشعرن بالضغط العصبي لأنهن يشاهدن العارضات والمشاهير وأجسامهن المثالية، ومستوى المعيشة المترف، وبالتالي يشعرن أنهن لا يملكن شيئا.
نحتاج في هذه المرحلة الحرجة والعالم التكنولوجي المرعب الذي نعيش به، ومع المؤثرين الذين أصبحوا يعيشون داخل بيوتنا، أن نكون أكثر حرصا على أطفالنا وأن نعيد لهم عفويتهم وبساطتهم، وأن نكون أكثر قربا منهم، وأن نغرس الوعيّ والقناعة والرضا في نفوسهم.
أما المؤسسات التعليمية فلها دور مضاعف من خلال توعية الطلبة ووضعهم على الطريق الصحيح، والتحدث معهم باستمرار عن مخاطر هذه المواقع ومن يعتبرون أنفسهم مؤثرين.
نعيش في زمن صعب؛ لذا علينا أن نحمي الأبناء من عزلة في عالم يدمر صحتهم النفسي. والأهم من ذلك، أن نعود لإنسانيتنا دون أن يعبث بها من يعيشون بعوالمهم الافتراضية ومظاهرهم الكاذبة والخداعة.