قوة السرد: لماذا تنهضُ دول وتفشل أخرى

سوميت غانغولاي* - (فورين بوليسي) 9/4/2021

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

اضافة اعلان

أدى الصعود الدراماتيكي للصين خلال العقود القليلة الماضية والانحدار النسبي للولايات المتحدة إلى نشوء "صناعة منزلية" حقيقية للمراقبين الذين يسعون إلى شرح دورة حياة القوى العظمى. وفي الحقيقة، في العام 1989، قبل وقت طويل من أن يبدو الازدهار الصيني حتميًا -وقربَ ذروة القوة الأميركية- دق المؤرخ بول كينيدي ناقوس الخطر في كتابه "صعود وسقوط القوى العظمى". وفي ذلك الكتاب، حذر كينيدي من أن الولايات المتحدة ربما تكون متجهة إلى أفول نهائي إذا هي لم تكبح جماح الإنفاق الدفاعي الجامح وتستثمر في القدرات المحلية بطريقة مصممة للحفاظ على النمو. وجعلت سهولة الوصول إلى كتاب كينيدي وفهمه منه مصدر جاذبية فورية؛ وعنت سعة الاطلاع وعمق الدراية اللتين انطوى عليهما أن تتم قراءته والاستشهاد به على نطاق واسع ولعقود.
ومنذ العام 1989، سعى عدد من علماء السياسة إلى تحديث عمل كينيدي مع صعود الصين فعلياً على المسرح العالمي. ويميل هؤلاء الباحثون إلى التركيز على تأكيد بكين المتزايد لذاتها والآثار المحتملة لذلك على سياسة الولايات المتحدة في عالم لم تعد تمثل فيه القوة المفردة. وثمة كتاب جديد من تأليف مانجاري تشاترجي ميلر من جامعة بوسطن بعنوان "لماذا تصعد الأمم: الروايات والطريق إلى مكانة القوة العظمى"، والذي لا ينضم مباشرة إلى هذا النقاش بعينه. ومع ذلك، يحاول الكتاب تقديم تفسير جديد لسبب تحول بعض الدول التي تحوز على السمات المادية المطلوبة إلى قوى عظمى، في حين أن البعض الآخر لا تفعل، على الرغم من امتلاكها مثل هذه القدرات.
تشكل أطروحة الكتاب تحديًا مباشرًا للفكرة المهيمنة في نظرية العلاقات الدولية. كانت الواقعية، التي ترى أن القوة المادية هي المحدد الرئيسي لمكانة الدولة في النظام الدولي، حاضرة إلى حد كبير في أسس تحليل كينيدي، وكذلك في تحليلات أولئك الذين سعوا إلى البناء على عمله التأسيسي. لكن جذور تفسير ميلر تعود إلى تقليد فكري مختلف يؤكد على دور الأفكار في تشكيل السياسة الدولية.
لإثبات أطروحتها، تقارن ميلر بين تجارب كل من الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وهولندا، واليابان، والهند والصين. وحتى مع نطاقه العريض واهتمامه الدقيق بالتفاصيل التاريخية ذات الصلة، يظل الكتاب قصيرًا وموجزًا وسهل القراءة. وفيه تجادل ميلر بأنه على الرغم من أن جميع الدول التي أصبحت قوى عظمى لديها استراتيجيات كبيرة وأصول مادية سمحت لها بالقيام بذلك، إلا أن لديها أيضًا روايات حققت ثلاثة أهداف.
أولاً، تصف الكاتبة كيف سمحت الروايات للدول بالتوفيق بين قدراتها المادية المتوسعة والقيود التي يفرضها النظام الدولي القائم. كما أنها ساعدت الدول في التعامل مع المفاهيم السائدة حول مكانة القوة العظمى، سواء كان ذلك يتعلق بامتلاك المستعمرات، أو أسلحة الدمار الشامل أو أي شيء آخر. وأخيرًا، تمكنت الدول الصاعدة أيضًا من شرح انخراطها المتزايد في النظام العالمي للجماهير المحلية والدولية.
ولذلك، على سبيل المثال، تتفقد ميلر بعناية المصادر التاريخية والمعاصرة لتعرض السرديات الفكرية الكامنة وراء فشل هولندا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، واليابان بعد الحرب، في تحقيق مكانة القوة العظمى على الرغم من ثروتهما وازدهارهما.
إذا وضعنا نقاط القوة الواضحة في هذا الكتاب جانباً، فإنه يظل من الممكن الاختلاف، مع ذلك، مع أطروحة ميلر الرئيسية.
تفصل ميلر بدقة كبيرة النقاشات التي تثيرها حول النمو المطرد للقدرات المادية للمملكة المتحدة والولايات المتحدة، جنبًا إلى جنب مع الروايات المصاحبة المناسبة لحالة القوة العظمى. ومع ذلك، يتساءل المرء عما إذا كانت الروايات ليست أكثر من محاولة لعقلنة صعود الدول بينما تكون قد حازت أدواتها المادية. وكما أوضح المؤرخ الأميركي، توماس ميتكالف، في كتابه الرائع بعنوان "إيديولوجيات الراج"، فقد خرج البريطانيون بمجموعة مذهلة من المبررات لدعم حكمهم في الهند. ووفقًا لذلك، يمكن القول إن الروايات التي صاحبت صعود هذه القوى كانت في الحقيقة ظاهرة ثانوية. كان الشيء المهم حقًا في نهاية المطاف هو قدرة هذه الدول على تسخير بعض القدرات المادية، وتشكيل القدرة المؤسسية في الوطن، والاندفاع للاستيلاء على الأراضي الأجنبية ومواردها التي لا تقدر بثمن. كما أن النهب الوحشي لهذه الأصول عزز بدوره قدراتها بشكل أكبر.
إضافة إلى ذلك، حتى أدلة ميلر الخاصة التي جمعتها بعناية كبيرة، تقوض أطروحتها في بعض الأحيان. وعلى سبيل المثال، في مناقشتها فشل هولندا في الصعود إلى مكانة القوة العظمى، قدمت ميلر نقاشًا دقيقًا لكيفية قيام المفكرين والإداريين الاستعماريين والدبلوماسيين الهولنديين بعرض قضية لهولندا باعتبارها دولة "أخلاقية"، والتي لن تحاكي سلوك القوى الاستعمارية الأخرى في ذلك الوقت. ومع ذلك، تؤكد ميلر أيضًا القيود والمحدوديات التي تصنعها جغرافية البلد في العلاقة مع فرنسا والمملكة المتحدة. هل يمكن أن الروايات الهولندية في ذلك الوقت كانت تعكس التبريرات العقلية للمحدوديات المادية النسبية للبلد؟
بالانتقال إلى العصر الحديث، يبدو الفصل الخاص بالهند أيضًا أقل من مقنع. فبالتركيز على دور الأفكار في الإستراتيجية الكبرى للهند، تؤكد ميلر أن البلد فكَّر في نفسه، بطريقة عابرة للحكومات المختلفة، من منظور حضاري. ولهذا السبب، لم يستطع أن يطور في أي وقت رواية مقنعة للدفع بنفسه نحو مكانة القوة العظمى. بدلاً من ذلك، كانت الهند قانعة بإبراز روحها الحضارية كوسيلة للاتكاء على أمجادها الغابرة. وتشير الكاتبة إلى أنه حتى مع اكتساب الهند قدرات اقتصادية أكبر منذ تسعينيات القرن الماضي، فإن روايتها ظلت خجولة ومتحفظة.
قد يكون وصف ميلر صحيحاً إلى حد كبير. لكن هذا قد لا يكون هو السبب الرئيسي لفشل الهند في شق طريق مباشر إلى مكانة القوة العظمى. وكما أوضحنا، أنا ووليام ر.طومسون، في كتابنا، "الهند الصاعدة وقدرتها كدولة"، فقد فشل النمو الاقتصادي للهند في أن يتزامن مع التوسع المصاحب لقدرات الدولة. ما تزال مؤسسة الدولة الهندية، كما قال الاقتصادي السويدي البارز جونار ميردال قبل عقود، "دولة ناعمة". وما تزال قدرتها على تقديم مجموعة من الخدمات الأساسية لسكانها، مثل الرعاية الصحية والتعليم الأساسي، قاصرة بشكل روتيني الآن، بعد ثلاثة أرباع قرن من الاستقلال. وقد تكون هذه العيوب والعلل المحلية، وليس مسألة صياغة رواية مناسبة، هي المسؤولة إلى حد كبير عن عدم قدرة الهند على الارتقاء إلى مرتبة القوة العظمى.
وأخيرًا، يبدو تحليل ميلر لسعي الصين إلى تحقيق مكانة القوة العظمى والسرد المصاحب لهذا السعي متوتراً بعض الشيء. فحتى عندما شرعت الصين في السير على الطريق نحو النمو الاقتصادي السريع في ظل حكم دينغ شياو بينغ، ظلت روايتها مقيدة إلى حد كبير. وفي الواقع، كما توضح ميلر، نصح دينغ بلاده بأن تنتظر وقتها وأن تعمل على تقوية عصبها بهدوء. وكان هناك تحول مصاحب في سرديات القوة العظمى فقط مع الصعود الدرامي لكل من البراعة الاقتصادية والعسكرية.
من الممكن بالتأكيد الاختلاف مع الأطروحة الأساسية لهذا الكتاب. ومع ذلك، لا يمكن لأي قارئ منصف الزعم بأنه لن يكون أساسًا لنقاش مستنير وحيوي وهادف حول هذا الموضوع الحاسم في الشؤون الدولية. قد تثير أبحاث ميلر الدقيقة، وأطروحتها وحججها الواضحة، والمدى الفكري لعملها، نقاشًا مهماً حول كيفية صعود القوى العظمى، و/أو فشلها في تحقيق إمكاناتها.

*Sumit Ganguly: كاتب مقالات منتظم في مجلة "فورين بوليسي".
*نشرت هذه المراجعة تحت عنوان: The Power of Narrative. وهي تناقش كتاب Why Nations Rise: Narratives and the Path to Great Power، للكاتبة Manjari Chatterjee Miller.ترجمة: علاء الدين أبو زينة