قوة خطاب عباس وضعف رد الفعل

تحمستُ كثيراً وأنا أستمع لكلمة الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس، في الأمم المتحدة، يوم الخميس الفائت، فهو قد عاد بالقضية لمربعها الأول، لطرقه موضوع تأسيس وكيفية تأسيس "دولة إسرائيل"، ولكن واجهتني ردود فعل، ووجهات نظر أخرى. أول رد فعل من شابة فلسطينية، تقوم بعمل دراسة مقارنة على خطابات الرئيس في الأمم المتحدة، وأصرت أنّه لا جديد في الخطاب، وأنا رفضت ذلك، ولكنها ردت بشواهد. ورد الفعل الثاني، هو "عدم ردة الفعل" الإسرائيلية والدولية، ولكن هذا مفهوم، وجزء من محاولة التعتيم على أي وجود أو موقف فلسطيني.  اضافة اعلان
سمّى عبّاس، ما يقوم به الإسرائيليون بالتطهير العرقي، و"الفجور السياسي" الإسرائيلي، وكان أهم ما فعله ربما، هو العودة بالقضية الفلسطينية إلى جذورها، بالقول "لقد مضت مائة عام على صدور وعد بلفور المشؤوم، الذي أعطى بموجبه البريطانيون دون وجه حق، أرض فلسطين لغير شعبها، مؤسسين بذلك لنكبة الشعب الفلسطيني، بفقدانه لأرضه ونزوحه عنها". وهنا كأنه يعود للحديث عن مسألة تأسيس دولة عرقية لليهود. بل ودعا بريطانيا "في الذكرى المئوية لهذا الوعد المشؤوم، هذه الصفقة المشؤومة" إلى "أن تتحمل المسؤولية التاريخية والقانونية والسياسية والمادية والمعنوية لنتائج هذا الوعد بما في ذلك الاعتذار من الشعب الفلسطيني لما حل به من نكبات ومآس وظلم، وتصحيح هذه الكارثة التاريخية ومعالجة نتائجها، على الأقل بالاعتراف بالدولة الفلسطينية". كما دعا عباس لإعادة قرار التقسيم 181 للاعتبار، مشيرا إلى مساحة الأرض المخصصة لكل دولة، وإلى "قيام القوات الإسرائيلية بالسيطرة على أكثر مما خصص لها".
مثل هذا الخطاب يشير إلى التعريفات الأساسية للصراع، ويعلن أنّه إذا لم يكن هناك تجاوب مع حل الدولتين، سيكون هناك تبعات تهدد الاتفاقات التي أبرمت وتنكر لها الإسرائيليون، ويلمح لإمكانية سحب الاعتراف بها، بالقول "اعترافنا السياسي بوجود دولة إسرائيل، الذي صدر في العام 1993 (...) ليس اعترافاً مجانياً، فعلى إسرائيل أن تقابله باعتراف مماثل بدولة فلسطين".
عندما أشارت الباحثة الشابة لأهمية موضوع تعريف الصراع، قالت، في خطاب عام 2015، طالب الرئيس بمراجعة قرارات الأمم المتحدة، والأهم أنه قال "إن استمرار الوضع الراهن أمر لا يمكن القبول به، لأنه يعني الاستسلام لمنطق القوة الغاشمة،"، وقال، إن إسرائيل "لا تترك لنا خياراً، سوى التأكيد على أننا لن نبقى الوحيدين ملتزمين في تنفيذ تلك الاتفاقيات، بينما تستمر إسرائيل في خرقها، وعليه فإننا نعلن أنه لا يمكننا الاستمرار في الالتزام بهذه الاتفاقيات، وعلى إسرائيل أن تتحمل مسؤولياتها كافة كسلطة احتلال"، وتقول الشابة، تحمسنا في العام (2015)، عندما قال الرئيس "إن الوضع الحالي غير قابل للاستمرار، وسوف نبدأ بتنفيذ هذا الإعلان بالطرق والوسائل السلمية والقانونية، فإما أن تكون السلطة الوطنية الفلسطينية ناقلة للشعب الفلسطيني من الاحتلال إلى الاستقلال، وإما أن تتحمل إسرائيل سلطة الاحتلال، مسؤولياتها كافة". وتضيف الشابة، لم يحدث أي شيء من تلك "التهديدات" على الأرض، وحتى الخطوات المتواضعة الدولية التي كانت مُؤمّلة، وذكرت عام 2015، تبخرت، أو تكررت بذات الطريقة، مثلا جاء حينها "إننا نرحب بالجهود الدولية والأوروبية، بما فيها المبادرة الفرنسية الداعية لتشكيل مجموعة دعم دولية لتحقيق السلام،"، ولكن شيئا لم يتحقق والآن نرهن حركتنا السياسية بانتظار مؤتمر دولي بتنظيم فرنسي.
جاء في تحليل نشره داوود كتاب، في موقع "المونيتور" تصريحات شبان فلسطينيين آخرين على هامش الخطاب، وتحديداً تساؤلهم حول طبيعة وتفسير المرحلة التي يعيشونها، وتعقيبهم على عمليات الإعدام الإسرائيلية للشبان، بزعم أنهم يهاجمون الجنود، "نحن لسنا في انتفاضة، ولسنا في عصيان مدني، ليس لدينا أدنى فكرة ماذا نفعل".
رغم الأهمية الكبيرة للبعد التاريخي في خطاب الرئيس عباس، لم يكن هناك رد فعل دولي أو فلسطيني محلي يُذكران بشأن الخطاب، ربما لأنّه لا توجد استراتيجية أو خطة عمل حقيقية على الأرض، ولا توجد بوادر لتنفيذ أي تلميح أو تصريح عن تغيير طريقة العمل، والتراجع عن تقديم أثمان للإسرائيليين، دون مقابل. وبالتالي لا يأخذ المجتمع الدولي التصريحات الفلسطينية بجدية، ويفضل تجاهلها والتعتيم عليها.