قيادة المرأة للسيارة في السعودية.. أمر صعب المنال حاليا على الأقل

في المملكة العربية السعودية هناك حوار وجدل واسع هذه الأيام، حول موضوع قيادة المرأة للسيارة. حيث ترتفع وتيرة الأصوات المطالبة بالسماح للمرأة بالقيادة، خصوصا أن هناك فتاوى تؤكد أنه ليس هناك موانع شرعية تمنع قيادة المرأة للسيارة، رغم وجود فتوى قديمة لمفتي المملكة السابق المرحوم عبدالعزيز بن باز، يستند إليها من يعارضون السماح للمرأة بالقيادة.اضافة اعلان
ووصل الأمر بالعديد من الناشطات السعوديات إلى دعوة النساء إلى المبادرة بقيادة السيارات.
وتم تعيين يوم الجمعة الماضي يوما للتحدي، حيث تمت الدعوة إلى قيام النساء بقيادة السيارات، وقد قام بعضهن بالقيادة فعلا، ومنهن السيدة مها القحطاني التي قادت السيارة في شوارع الرياض برفقة زوجها وتشجيعه، إلى أن لاحقتها دوريات الشرطة وأوقفتها عن القيادة وخالفتها بغرامة قيادة سيارة من دون رخصة سواقة. 
وبالطبع، المحافظون في المجتمع السعودي هم من لا يريدون السماح للمرأة بالقيادة. وهؤلاء أطلقوا حملة على موقع "فيسبوك" عنوانه "بالعقال"، ويقصدون أنهم سيمنعون أي امرأة من قيادة السيارة حتى ولو بضربها بالعقال.
ويلاحظ أن هناك تباينا في موقف السلطات الرسمية وتعاملها مع هذه المسألة. فأحيانا تتشدد، وتسجن من يقدن السيارة مثلما حصل مع السيدة منال الشريف التي قادت مبادرة "سأقود سيارتي بنفسي"، والتي تم سجنها في الخبر بعد ضبطها وهي تقود سيارتها. وقالت السلطات إن سجنها لم يكن بسبب قيادتها للسيارة، فهذه اعتبرت "مخالفة قيادة سيارة من دون الحصول على رخصة قيادة سعودية، وأوقفت لساعات بسبب ذلك وأطلق سراحها. أما سجنها، فهو مرتبط بتهمتَيْ تأليب الرأي العام الداخلي والعالمي وتحريض النساء على قيادة السيارة". وقد أطلق سراح السيدة منال بعد اعتذار رسمي قدمته للجهات العليا، في الوقت الذي دعا المحافظون المتشددون إلى جلدها!!
وفي حين آخر تبدي السلطات السعودية تساهلا مع من يتحدين التقاليد ويقدن سياراتهن، فتكتفي بمخالفتهن لقيادة السيارة من دون رخصة قيادة، كما تسمح للمرأة بالقيادة بعيدا عن المدن الكبيرة.
المحافظون من التيار الديني اعترف متشددوهم ومعتدلوهم أن مسألة منع المرأة من القيادة "ليست حراما بقدر ما هي مشكلة تقاليد"، كما قال عضو هيئة كبار العلماء الشيخ عبدالمحسن العبيكان.
المتشددون المعارضون لقيادة المرأة اعتبروا أن الدعوة لذلك مشروع "تغريبي"، يدعو إليه "الليبراليون والتغريبيون الذين يريدون فرض أجندة غربية على بلادنا"، مثلما قال الشيخ الدكتور وليد عثمان الرشودي الذي صعّد من المعارضة بقوله إن الدعوة لقيادة المرأة "تخدم المشروع الصفوي للإخلال بأمن المملكة". وتحدث عن "تناغم بين التيارات الصفوية والتيارات الليبرالية والتغريبية". واستند الدكتور الرشودي بذلك إلى أن إحدى الناشطات الاجتماعيات التي تقود الدعوة لحقوق المرأة ولقيادتها للسيارة هي وجيهة الحويدر كونها شيعية.
وتتمادى معارضة أحد رجال الدعوة والدين المتشددين، وهو الدكتور الشيخ سعد البريك، إلى حد تأليب واستعداء الدولة على الداعين لقيادة المرأة، باتهام بعض هؤلاء بأنهم يريدون "كسر هيبة الدولة وإيجاد انفلات أمني لزعزعة النظام والثورة عليه".
كما يؤلب الشيخ البريك المجتمع السعودي على الداعين لقيادة المرأة حين يقول إن بعض هؤلاء "يريدون إفساد المجتمع السعودي من أجل أن يباح بعد ذلك الاختلاط والخلوة بين الرجل والمرأة".
رسميا، هناك أيضا تباين في الموقف. فهناك دعاة الإصلاح، وهم المحيطون بخادم الحرمين الشريفين الذين يتابعون الجدل الدائر (بل ربما يشجعونه) لكي يقرر المجتمع ذلك. وهناك من أهل الحكم من لا يزالون يتحفظون على السماح للمرأة بالقيادة، وقد عبر عنهم نائب وزير الداخلية الأمير أحمد بن عبدالعزيز، الذي صرح قبل أسبوعين قائلا: "بالنسبة إلى قيادة المرأة للسيارة في المملكة، سبق أن صدر بيان العام 1411هـ بعدم السماح بقيادة المرأة السيارة، وهذا بالنسبة إلينا في وزارة الداخلية ما يزال قائماً". ولا شك أن وزارة الداخلية السعودية لا تريد أن تتزايد الأعباء عليها في حالة السماح للمرأة بالقيادة. وأعتقد أن موضوع قيادة المرأة للسيارة في السعودية أمر صعب الوصول إليه في الوقت القريب على الأقل، ليس لأنه محرم شرعا، بل لأن هناك معارضة قوية له من المؤسسة الدينية التي تخشى أن يكون هذا بداية لتغيير اجتماعي في المملكة يخفف من سيطرة المؤسسة الدينية، فكرا وسلطة على المجتمع السعودي الذي يريده هؤلاء أن يبقى محافظا  يرفض قيادة المرأة للسيارة، حتى ولو تحمّل المجتمع مشاكل ومصاريف وجود أكثر من ستمائة ألف سائق أجنبي لهم حق الخلوة مع المرأة حين يقود بها في مشاويرها.
وأعتقد أنه أمر يجب أن يكون مستهجنا ومرفوضا الخطأ الذي قام به الداعون والداعيات لقيادة المرأة، بكتابتهم لوزارة الخارجية الأميركية طالبين ضغطا أميركيا على سلطات بلادهم للسماح للمرأة السعودية بالقيادة. ووزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، أخطات حين تحدثت بالموضوع مع نظيرها السعودي الأمير سعود الفيصل خلال محادثة هاتفية جرت قبل أيام. فهذا أمر مستهجن جدا أن تتم دعوة لتدخل أميركي خارجي بمثل هذا الموضوع، يشابه دعوة بعض المعارضين السوريين للغرب للتدخل عسكريا ضد بلادهم. وبالطبع، فإن أي تدخل خارجي بمثل هذا الأمر لن يكون مرفوضا من الحكم فحسب، بل أيضا من المواطن السعودي.