قياس التقدم والفشل

نحتاج إلى معرفة وطنية واسعة بمؤشرات قياسية للتعليم والصحة والتكامل الاجتماعي في بلادنا وفي العالم لنقدر التدخلات السياسية المطلوبة لبناء رأس المال البشري وملاحظة الإنجاز والقصور، وتقدير المستقبل، فالقياس الكفؤ والعادل هو الذي يجعل بين المجتمعات والسلطات والشركات لغة مشتركة وإجماعا وطنيا على الفجوة والأهداف المطلوبة، وإن كان متوقعا بالطبع أن تختلف البرامج والتفسيرات والاقتراحات، وهذا هو الجدل السياسي المطلوب. وقد أعد البنك الدولي وبرنامج التنمية الإنسانية في الأمم المتحدة مقياسا دوليا لمكونات رأس المال البشري، يمكن أن يمنح المخطط والناشط السياسي والعام كما المؤسسات العاملة أفكارا واضحة عما يتوقع أن يكون عليه الجيل الجديد أو ما يمكن أن نتوقعه لمواليد اليوم عندما يكونون في الثامنة عشرة من أعمارهم؛ وذلك بملاحظة المخاطر الصحية التي يتعرضون لها والتغذية والتعليم والمهارات التي يحصلون عليها وفرصهم في البقاء أحياء وفي صحة سليمة، ومن ثم يمكن تقدير الاقتراحات الممكنة لتحسين الصحة والتعليم، ومواجهة محددة للمشكلات والتحديات، لقد تحولت هذه المؤشرات إلى ثقافة عامة متاحة، تجعل العمل الوطني في الحكم والمعارضة مسؤولا بوضوح عن التأثير في التقدم والانتاجية والتنمية التي يتطلع إليها المواطنون. وهكذا أيضا يمكننا أن نقيم ونقدر التأييد والمعارضة للسياسات الحكومية والتصريحات والأفكار والمعلومات التي تقدمها الحكومة في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي أو في مجلس الأمة. تقدر المؤشرات فرص البقاء حيا حتى السنة الخامسة لمواليد اليوم، وفي هذا العدد لوفيات الأطفال دون الخامسة نحدد الفجوة في الصحة والغذاء والرعاية وتأثير الفقر على صحة وحياة الأطفال، وبمقارنة هذه المؤشرات بالدول الناجحة المتقدمة نعرف ما المطلوب من مصممي السياسات العامة والتنموية لأجل تحسين الحياة، وتقدم المؤشرات فرص الأطفال بالالتحاق بالمدارس حتى سن الثامنة عشرة وعدد سنوات الدراسة التي يحصلون عليها ومستوى المعرفة والمهارات والمحتوى التعليمي الذي يتلقونه، وهكذا يمكن ببساطة أن نفكر للسنوات الاثنتي عشرة التالية وما يمكن أن يحيط بها من تحديات، مثل استيعاب المدارس والغرف الصفية والساحات والملاعب والمختبرات وعدد المدرسين والمرشدين وكفاءتهم، فعلى سبيل المثال تؤشر الدراسات والتقارير المسحية للبنك الدولي أن حوالي 70 % من المعلمين في الدول النامية لا يحيطون بالمناهج التعليمية للأطفال والتلاميذ! كما يمكننا أن نقدر التسرب من المدارس، وعمالة الأطفال، والضغوط الاقتصادية والمالية على الأسر التي ترسل أولادها إلى المدارس الخاصة، ثم نقدر أيضا تأثير هذه النفقات والتحديات في التعليم على مستوى المعيشة وفي زيادة عدد الفقراء والضغوط على أولويات ومؤشرات حياتية أخرى، مثل ملاءمة البيوت للإقامة فيها والتغذية واللباس والصحة والمرض والمشاركة الثقافية والاجتماعية، وعلاقتها بطبيعة الحال بالتطرف والجريمة والإدمان والتفكك الأسري والشعور بالرضا والميل الى الاكتئاب والانتحار. ويمكن أيضا بناء على هذه المؤشرات في نوعية الحياة والتعليم، التفكير في الحالة الاقتصادية والاجتماعية للأجيال بعد الثامنة عشرة؛ مثل المعرفة والإنتاجية، والأمراض والإعاقة والتقزم بسبب الفقر وسوء التغذية والرعاية، والعمر المتوقع، ومن ثم قدرة الأفراد والمؤسسات على تطوير الاقتصاد الوطني والمشاركة الاقتصادية والثقافية العالمية .. إلى أي مدى يمكن أن نكون جزءا من العالم نعطيه ونأخذ منه ويقبلنا ونتقبله، ونؤثر فيه؟ فمن غير قدرة على التصدير إلى العالم لا يمكن المشاركة فيه ومن غير مهارات متقدمة لا يمكن حماية الأسواق والفرص الوطنية.اضافة اعلان