كاميرات "الأقصى"

ما تزال الخطة الأردنية بنشر كاميرات مراقبة في الحرم القدسي وباحات المسجد الأقصى، تثير شكوكا فلسطينية شعبية ورسمية. في المقابل، لم تتوقف إسرائيل عن محاولات استثمار هذه الخطة وتوظيفها لصالحها، أو إثارة الاشاعات ونشر الأخبار لعرقلة تنفيذها. فيما المطلوب من الجانب الأردني المزيد من الوضوح والشفافية؛ فقد ضحّى الأردن الرسمي والشعبي بالكثير من أجل القدس، ولم ينل إلا القليل من الاعتراف. اضافة اعلان
خلال آخر عقدين، أصبح الرأي العام الفلسطيني أكثر قربا وتفهما للمواقف الأردنية حيال الملفات التاريخية الشائكة في الصراع، وحتى في العلاقات الثنائية. وأصبح هناك إدراك متزايد للدور الأردني في حماية المقدسات الإسلامية والمسيحية بالقدس. وهذا تطور طبيعي، يُفهَم في سياق تحولات القضية الفلسطينية، وثبات المواقف الأردنية، وحقيقة المصالح المشتركة بين الشعبين، بعد أن انتهت ملهاة الشعارات النضالية العربية التي لم تضحِ فعليا من أجل القضية مقارنة بما سُفك من دماء في شوارع المدن العربية في حروب مجانية خلال الأعوام الأخيرة، الأمر الذي يحتاج من الطرفين الرسميين الأردني والفلسطيني البناء على هذه التطورات، وليس البحث عن المزيد من المتاعب.
يعود أساس فكرة نصب كاميرات في الحرم القدسي وباحات المسجد الأقصى إلى الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على المسجد والمصلين، والتي وصلت العام الماضي واحدة من نقاطها الحرجة. وفي خلفية الأحداث، تبرز دوما الأطماع والمخططات الإسرائيلية التي تصاعدت مؤخرا مع تراجع مكانة القضية الفلسطينية على سلم الأولويات الإقليمية والدولية؛ تلك الأطماع التي تذهب نحو مخطط التقاسم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى بين المسلمين واليهود.
في ضوء ذلك، ترددت أخبار عن توصل الأردن إلى تفاهمات مع الجانب الإسرائيلي على نصب هذه الكاميرات منذ تشرين الاول (أكتوبر) الماضي. وهو ما وجد رفضا وتشكيكا من الجانب الفلسطيني. وفي الشهر ذاته، عادت السلطات الإسرائيلية لإعاقة أعمال دائرة أوقاف القدس الأردنية عندما بدأت أول أعمالها في هذا المشروع. وعلى مدى الأشهر الخمسة الماضية، بقي الموضوع ينتابه الغموض وفوضى التسريبات والتصريحات والتوظيف السياسي.
الخطاب السياسي الأردني يؤكد أن نصب الكاميرات فكرة أردنية، وهو مطلب أردني منذ فترة طويلة، الهدف منه توفير بثّ مباشر لما يدور في باحات المسجد الأقصى، والذي قد يكون متاحا للعالم أجمع من أجل توثيق الاعتداءات الإسرائيلية واستخدام ذلك في المحافل السياسية والقانونية. بينما بقيت المواقف الفلسطينية، الرسمية والشعبية، تشكك في هدف هذه الخطوة، على أساس أنها ستوفر للإسرائيليين إمكانية استخدام هذه الكاميرات لاعتقال الفلسطينيين؛ بل وُصفت على لسان مسؤول فلسطيني بأنها "فخ إضافي". والخطاب الإسرائيلي ممعن في الغموض، ويلعب على التناقضات الأردنية-الفلسطينية ويوظفها لصالحه.
لا يمكن الركون لهذه التداعيات التي لن تقود إلى شيء أكثر من استمرار إسرائيل في فرض سياسة الأمر الواقع، وصولا إلى التنفيذ الفعلي لخطة تقاسم "الأقصى" زمانيا ثم مكانيا. ولا يوجد ما يمنع الأردن من المزيد من الشفافية، والإعلان رسميا وبكل وضوح أن خطة الكاميرات ستخضع لمرحلة تجريبية؛ فإذا ما ثبت أنها تخدم الأغراض الإسرائيلية، كما تقول بعض المزاعم، فإن الأردن يلتزم منذ ذاك الوقت بالعمل على إزالتها. وفي المقابل، فما دامت السلطة الوطنية الفلسطينية هي التي جددت الولاية للهاشميين والأردن على القدس، فإن عليها التماسك في مواقفها، وفتح المجال أمام الواقعية السياسية لتأخذ دورها؛ فثمة ضرورة اليوم، أكثر من أي وقت سابق، للمزيد من الثقة والوضوح بين الأردنيين والفلسطينيين بشأن مستقبل القدس تحديدا.