
هل سيندثر الموروث القصصي للجدات
جمانة مصطفى
عمان –
“يسافر والد الشاطر حسن إلى بلاد بعيدة تاركا له دراهم قليلة والبساط السحري الذي يحمله من مغامرة لأخرى، وينتقل به في الأمصار، حتى يصل الشاطر حسن إلى المدينة التي يقابل فيها ابنة السلطان ست الحسن والجمال ويقع في حبها.
“وهنا يتورط الشاطر حسن في مشاكل وعقبات ومقالب من تدبير أعوان وحاشية السلطان الفاسدين وعلى رأسهم الوزير الذي يحاول إخراجه من المدينة كي لا يكشف أمره أمام السلطان. إلا أن الشاطر حسن يخوض معركة الخير ضد الشر وينتصر ويكشف الأشرار أمام السلطان الذي يكافئه بأن يزوجه من ابنته ست الحسن والجمال، ويعيشان في ثبات ونبات وينجبان الصبيان والبنات”.
هذه واحدة من الصيغ التي ترويها الجدات لحكاية عن الشاطر حسن. فهذه القصة الشعبية تكتسب في كل ليلة لمسة خاصة، فينام أثناءها الحفيد ورأسه على حضن جدته تاركا لمخيلته العنان ومطلق الحرية أن يأخذ دور البطولة ويكون هو الشاطر حسن. في بعض المرات تتواطأ الجدة بحنو مع حفيدها، فتجعله بطلا للحكاية بدلا من حسن، فيلتهب الخيال أكثر.
ومن قصص الشاطر حسن، وحديدون، ونص نصيص، وأبوزيد الهلالي، وعنترة، تعبق روائح الميرمية والفوانيس المضاءة في ليل لم تغزه الكهرباء بعد، وزمان جميل حمل متاعه ورحل إلى الماضي، رافضا أن ينافس الأبراج الاسمنتية والرسوم اليابانية المدبلجة.
ولعل قصص الجدات تداعب لدى كثيرين مناطق مغفلة أو منسية في الذاكرة التي امتلأت بالأرقام والحسابات والهموم اليومية للإنسان العادي.
الجدة أم حسين تركت الثمانين وراءها، وتتحدث عن الليالي التي كانت تروي فيها قصصها المثيرة لأحفادها، وتقول: “عندما كان أولادي يأتون لزيارتي في القرية من الخليج كانت الدنيا لا تسعني من الفرحة. أستقبلهم بكل ما لدي في المنزل. إلا أن رؤيتي لأحفادي وكيف يكبرون عاما بعد عام كانت تقطّع قلبي.
وفي الليل عندما تنقطع الكهرباء، كنا نجلس في حوش المنزل وأروي لهم قصصا عن شجاعات جدهم الذي مات قبل أن يولدوا، وقصصا أخرى عن حديدون والغولة والشاب الشجاع أبو قلب ميت الذي كان يراهن أصحابه أن يذهب إلى حيث ينام اليهود ويرجع بعشائهم وأحذيتهم.
حتى أولادي الذين يحفظون كل هذه القصص، وقد أصبحوا رجالا كبارا كانوا يسعدون بها لأنني كنت أرويها لهم في صغرهم، وأحيانا كانت ترويها أمي لهم خصوصا ابني الكبير الذي عايشها ويذكرها جيدا، وبعد أن ينام الصغار يبدأ الكبار بأحاديثهم”.
وتضيف: “كبر الأحفاد والحمد لله. منهم من تزوج ومنهم من يذهب للجامعة ومنهم من سافر، إلا أنهم لا زالوا يطلبون مني أن أروي لهم قصصي، لأنهم يحبونها كثيرا”.
زراعة أكثر تسلية أقل
ويعزي رئيس قسم علم الاجتماع في كلية العلوم الاجتماعية والانسانية في الجامعة الأردنية د. محمد الدقس الأهمية التي كانت تأخذها حكايا الجدات في ذلك الوقت إلى شكل الأسرة وطغيان المجتمع الزراعي آنذاك، ويقول: “سادت ظاهرة حكايا الجدات لسنوات طويلة في إطار ثبوتية العادات والتقاليد وانتشار العمل الزراعي في شكل واسع، حيث كانت الأسرة الكبيرة تتجمع مساء على العشاء، فيقوم الجد أو الجدة برواية القصص الخيالية في معظمها.
وهي بدورها رويت وانتقلت إليهم بنفس الأسلوب القصصي المشوق لشد انتباه الطفل. وأذكر هنا أن هذه القصص حين كانت تنتهي منها الأم أو الجدة، كان الأطفال يذهبون لجارة أو قريبة أخرى لسماع حكايات جديدة، ومن ثم يتبارون في النهار في إعادتها ومن يحفظها أكثر من الآخر”.
كذلك يشير د. الدقس إلى معطيات الترفيه القليلة التي كانت موجودة في ذلك الوقت، ويقول: “كان المسبب الأقوى لانتشار هذه الحكايات هو غياب وسائل التسلية كالموجودة حاليا من راديوهات وتلفزيونات وحتى الانترنت، فتأتي هذه الحكايات لتمجد القيم الإيجابية كالبطولة والكرم والوفاء والتحبيب في البطل الشجاع، ناهيك عن دورها التربوي المهم الذي كان يخدم حاجات المجتمع آنذاك”.
ويؤكد د. الدقس أن هذه الظاهرة اختفت من المجتمع اليوم أمام التلفزيون وما يجود به من قضايا مختلفة ومتنوعة، كما كان لانتشار التعليم والتزام الطلاب بالذهاب للمدرسة دور مهم في انحسار دور الجدة هنا.
غادة النابلسي (كاتبة، 40عاما)، تقول عن الدور المهم الذي لعبته حكايا جدتها في نشأتها وتعزيز مهارتها ككاتبة ومؤلفة: “انتقلت للعيش مع جدتي بعد انفصال والدي منذ كان عمري عاما ونصف، ما جعل لها دورا مهما جدا في تربيتي، فقد كانت دائما تغير أحداث القصة تبعا لحالتي النفسية أو الصحية الأمر الذي كان يجعلني غالبا في حالة فضول للطريقة التي ستصيغ بها القصة كل مرة، فإذا كنت مثلا مريضة أو كانت حرارتي مرتفعة كانت تحكي لي عن الشاطر حسن الذي يذهب لإنقاذ الأميرة المريضة، أو إذا كنت في خلاف مع أختي تحول سياق الأحداث لتوصلني إلى استيعاب أن ما أقدمت عليه فعل خاطئ. كانت الحكاية تتغير باختلاف الظرف”.
وتضيف: “أذكر مثلا أنها كانت دائما تركز على أن نفهم أن الخوف وهم وليس شعورا حقيقيا من خلال قصة خيال الضبع، التي يختبئ فيها حيوان ما خلف شرشف أبيض ويظهر خياله ويبدأ الراوي بسرد الأحداث حول الضبع المخيف وكيف يتضح في النهاية أن المختبئ وراءه هو حيوان أليف لا ضبع”.
وتزيد: “كان لجدتي دور مهم في اتجاهي للكتابة فقد كانت تتقن بالإضافة إلى العربية، الفرنسية والانجليزية والبخارية كونها من أوزبكستان أصلا. ففي المرة الأولى التي طلب مني كتابة موضوع للإنشاء قامت هي بكتابته لي، وكنت لا أزال في الصف الثالث، فأعجبت به المعلمة والطالبات، ما حدا بي للتفكير بتأثير الكتابة على الناس واختيار هذا الطريق لاحقا”.
لا أسر ممتدة
ويرى هنا أستاذ علم النفس التربوي في كلية العلوم التربوية في الجامعة الأردنية د. محمد عودة الريماوي أن السبب الرئيسي في تغير دور الجدة في السنوات الأخيرة هو اختفاء الأسرة الممتدة التي كانت تتمثل أساسا في شكل بناء الدار، ويقول: “لم تكن الدار تبنى كشقق منفصلة، بل على شكل غرف منفصلة تشكل سورا حول الساحة الوسطية للدار، ويسكن في كل غرفة الأب والأم والأولاد بالإضافة إلى غرفة الجد والجدة، وما نلحظه اليوم أن هذا النمط من البناء انتهى وحلت محله العمارات والشقق المنفصلة التي فقد الأطفال فيها اتصالهم بالكثير من الأمور المهمة كالطبيعة والجد وحكاياتهم ودورهم التربوي”.
ويتابع: “أعتقد أن دور الجدة بالصورة النمطية قد انتهى، فلو أخذت أولادي اليوم لتروي لهم جدتهم قصة الغولة وحديدون سيرفضون، فدور الجدة القديم كان منسجما مع عصرها، فلكل زمان طابعه ومعطياته المختلفة، والسؤال هنا هل المطلوب هو اندماج الأطفال في نظام الحياة الذي انتهى به دور الجدة التربوي؟ أم أن المطلوب هو إعادة اللحمة العائلية إلى الشكل الذي كانت عليه؟”.
jugdr vhw
انا بحب المسلسلات الكوريات
كان يا مكان
قصة جميل جدة
جيد
نعم موقع ممتاز
123
جميل
2017
جميل