كتاب جديد يقدم صورة شمولية لتاريخ روسيا المعاصر

غلاف الكتاب - (الغد)
غلاف الكتاب - (الغد)

عمّان-الغد- ماذا يعرف المواطن العربي عن روسيا وتاريخها المعاصر؟ لعله لا يعرف عن روسيا سوى أنها بلاد الثلج، الدولة النووية، بلاد الشيوعية، الدولة التي تحدت أميركا والغرب، ويعرفون من رؤسائها لينين وستالين وبوتين. إلا أن الكتاب الصادر حديثا عن الآن ناشرون وموزعون في عمّان، لمؤلفه الدكتور سامر العاصي من فلسطين، والذي يحمل عنوان "روسيا من ثورة إلى ثورة- روسيا أحجية التاريخ"، ويقع في خمسمائة وثمانين صفحة،  يحاول أن يقدّم صورة شمولية لتاريخ روسيا المعاصر، تلك الدولة التي مرَّ على تأسيسها عشرة قرون، وتمتد على سُبعِ مساحة اليابسة، وبقيت لقرون طويلة غير فاعلة في التاريخ العالمي، ثم انتقلت، إثر ثورتها الأولى على نظام القنانة الإقطاعي قبل قرن تقريبًا، إلى دولة صناعية نوويّة عظمى ومهيبة، لها حضورها في الساحة الدولية؛ اضافة اعلان
إلّا أن تاريخ روسيا لم يسِر في اتجاه واحد، فلم يُقفِل القرن العشرون نفسه، إلا وقد حدثت تحولات دراماتيكية فيها، إذ حدثت الهزة الثانية الكبرى في التاريخ الروسي إثر انهيار الدولة السوفياتية، وقيام جمهورية روسيا الفيدرالية، مشكّلة لغزًا حيّر العالم.
يشير الكاتب والباحث الدكتور باسم الزعبي إلى أن الكتاب يُقدِّم سرديّة تاريخية محايدة لحقبتين عاصفتين من التاريخ الروسي (1917-2017)، ويُعدّ  الكتاب دراسة تضيء جوانب مهمة في الحياة الاجتماعية والسياسية، ويقدِّم كمّا كبيرًا من المعلومات التي ظلّت مغفلةً في السرديّات الرسمية، ولم تكن للصورة أن تكتمل من دونها، مثل الماسونية، والدور اليهودي في مسار التاريخ الروسي. إنها سردية بانوراميّة، كتبت بأسلوب أدبي شيِّق. ويضيف، إنه كتاب غير منحاز إيديولوجيا، أو حزبيًا، أو عقائديا يتيح للقارئ أن يكوِّن تصورًا شاملًا عن أسباب وعوامل صعود الدولة وسقوطها، ثم نهوضها من جديد، ودور الفرد في ذلك.
وهو كتاب مهم وممتع لكل باحث أو مهتم بقراءة التاريخ المعاصر لروسيا، سواءً في العهد السوفييتي، أو في العهد الذي تلا ذلك، وخاصة حقبة الرئيس فلاديمير بوتين. فهو سرد تاريخي شائق وعميق لأحداث ووقائع تاريخية عاصر المؤلف قسمًا منها زمانيًا ومكانيًا، أثناء فترة دراسته وعمله في موسكو، أو قرأ عنها بنظرة نقدية استند فيها إلى وثائق ومعلومات مهمة وجديدة.
ويجد القارئ في هذا الكتاب، سير بعض الشخصيات التي حكمت روسيا القيصرية قبل اندلاع الثورة الشيوعية عام 1917، ومعلومات وحقائق تاريخية لم يسبق نشرها في أيً من المطبوعات العربية، مثل سقوط روسيا القيصرية في أيدي الماسونية. كما أن الكتاب يلقي الضوء على الشبهات، التي دارت حول مؤسس الدولة السوفييتية فلاديمير لينين، من حيث كونه عميلًا للإمبرطورية الألمانيّة!
ويقول الأستاذ «سعيد كنعان»، رئيس مركز البحوث والدراسات الفلسطينية في معرض تقديمه للكتاب:  إنه، ومع تركيز المؤلف على دور الأشخاص، في صناعة التاريخ، إلا أنه لم يهمل أبدًا أهمية السياسات والعوامل الدولية التي كانت متداخلةً في سير الأحداث، وتأثيرها البالغ عليه، وخاصة حقبة الرئيس بوريس يلتسين، غير متناسٍ أن التاريخ يصنعه الإنسان في حركته الدؤوبة، للسير نحو التغيير إلى الأفضل.
ويضيف الأستاذ كنعان قائلا: "لعل إحساس الكاتب بأهمية دور الشخص، في صناعة التاريخ، يجعلنا نتابع سرده المتقن والشائق للأحداث التي عصفت بالاتحاد السوفييتي، منذ نشأته وحتى انهياره، ولعل من أكبر العبر المستفادة من هذا الكتاب أيضًا، أنه، ومهما استفحلت مؤامرات الدول الغربية الكبرى، وخاصةً الولايات المتحدة الأميركية، ضد روسيا، وغيرها من دول العالم، فإنه كان حتميًا أن يخرج عالم جديد، لا مكان لتفرد أي دولة، مهما كبرت، بمصائر الشعوب، فيه تساوٍ وتوازن بين القوى الكبرى. 
أما المؤلف فيقدم ملاحظة في مقدمة كتابه هي التي قادته ليطرح عنوان الكتاب، إن روسيا، بالرغم من كل التنازلات الاستراتيجية العسكرية التي قدّمها الثنائي، جوربتشوف ويلتسين، ظلّت دونما أدنى شك، تلك الدولة التي تمتلك، بالإضافة إلى الولايات المتحدة، ترسانة نووية جبارة. وقد تكون روسيا، في تسعينيات القرن الماضي ضَعُفَت أو ضاعت بعد انفصالها عن الاتحاد السوفييتيّ، وبعد تفكك الأخير، إلّا أنها ظلّت دولة مهمة بين كل الدول. لكنه يخلص إلى القول، إن روسيا  ليست دولةً من دول العالم الثالث! أو الثاني! أو الأول! كما أنه ليس هناك من عالم رابع! فهي إذن أُحجية. روسيا القوية أُحجية، وروسيا الضعيفة أيضًا أُحجية!
يذكر أن الدكتور سامر صدقي العاصي ولد في فلسطين، نابلس، 1954، وهو  استشاري طب وجراحة العيون، حاصل على شهادة الدكتوراه في طب وجراحة العيون/معهد موسكو العلمي لجراحة أمراض العيون (معهد البروفسور فيودوروف)، موسكو، ويُعدُّ من رواد عمليات تصحيح قصر البصر وانحراف القرنية.
نُشرت له العديد من المقالات العلمية في المجال الطبي في العديد من المؤتمرات العلمية الدولية والمحلية، وهو عضو الهيئة الإدارية لمجلس الشرق الأوسط وإفريقيا لجراحات تصحيح البصر والساد (مياكرس) سابقاً، وأستاذ مدرس، سابقاً في معهد الطب الثالث في موسكو، ورئس المجلس الإقليمي العربي لطب العيون، وكان أمينًا عامًا مساعدًا للرابطة العربية لطب العيون، ورئيسًا لجمعية أطباء العيون الفلسطينيين لدورتين (2007-2011).
نشر أكثر من 120 مقالة أدبية سياسية في الصحف الفلسطينية، وكتاباً بعنوان (بقولوا) (2011).