كتلة الإصلاح في حضرة الملك

أطلق أعضاء كتلة الإصلاح النيابية الرسائل الصحيحة بعد لقائهم جلالة الملك. الرسائل عبرت عن فرح وفخار باللقاء، والوقوف مع باقي الأردنيين في إسناد مواقف الملك الصلبة والشجاعة تجاه قضايا الوطن والأمة. يأتي اللقاء ضمن سلسلة يعقدها الملك مع كتل برلمانية ونخب وقادة رأي ومع أبناء المجتمع الأردني في شتى مواقعهم وخلفياتهم، وهي تعبير عملي عن نهج أردني في الحكم والتواصل، والقيادة بالشورى والحوار ميزت سيرة الهاشميين لقرون من الحكم عبر التاريخ. تكتسب هذه اللقاءات أهمية استثنائية بسبب المرحلة التاريخية الحرجة التي جعلت من الإقليم وتوازناته ومعادلاته عرضة لتغيير جذري ما يستدعي رص الصفوف، وهي أيضا مهمة كقدوة للآخرين لأن كثيرا من التنفيذيين لا يقومون بدورهم التواصلي والاشتباكي مع الرأي العام، ويكتفون بتوقيع البريد، والقليل من المتواصلين منهم إما غير مقنعين لأنهم غير مقتنعين، أو أنهم شعبويون راضخون لمعادلة "سكن تسلم".اضافة اعلان
الملك للجميع؛ كلنا لنا حصة فيه، وهو على مسافة متساوية من الجميع، وقد كان أقوى تجليات ذلك في التاريخ المنظور رفض الملك وتحمله ضغوطا إقليمية ودولية لا تقوى عليها الجبال لكي يعلن الأردن الإخوان المسلمين حركة إرهابية، لكن الملك أصر أن لكل دولة خصوصيتها، وأن النموذج الأردني مختلف. لم يقدر غالبية قادة التيار الإسلامي هذا الموقف التاريخي الكبير، وتثمين بعضهم كان متأخرا ومترددا، لأنهم ظلوا حبيسي مسلمات تبخرت في أنهم الأقوى وأصحاب السيطرة على الشارع وند للدولة لا تحت مظلتها.
مطلوب من قادة التيار الإسلامي إحداث التحولات الفكرية والمنهجية الضرورية لهم قبل غيرهم، وألا يكرروا خطيئتهم الكارثية إبان الربيع العربي بالاستقواء على الدولة ومحاولة استحضار تجارب عربية شكلت وصفة للقلق. مطلوب مماهاة الأفعال مع الأقوال وهو ما لا يبدو عليه الواقع، ففي كل محطة يتضح أن التحول الفكري والتجديد السياسي مجرد حديث لا يعبر عن واقع الحال الفعلي. كانت آخر مؤشرات ذلك خطاب الثقة بالحكومة لكتلة الإصلاح الذي لو كتبه ألدّ خصوم التيار الإسلامي لما كان بالشكل الذي انتهى إليه، حيث أكد كل الهواجس التي يقول قادة ذلك التيار إنهم غادروها.
لا بد من تجديد عميق وجدي لتيار الإسلام السياسي، يعلن ويمارس بوضوح قبول التعددية الفكرية ونبذ الإقصاء، ويحسم ما يوحي بامتدادات فكرية وتنظيمية خارج حدود الوطن، وتبني خطاب سياسي واضح بأولويات وطنية، ويعزز الوحدة الوطنية تحت مظلة الوطن الأردني الجامع، والتوقف عن الاستنصار لقادة دول سابقين وحاليين ممن ينتمون لنفس اللون السياسي، وينهي سلوكيات تمس علاقات الأردن بدول أخرى شقيقة للأردنيين مصلحة معيشية كبيرة بها، ويغادر عقلية الندية للدولة والتطاول على القانون وهو ما كان حينما رفضت جماعة الإخوان غير المرخصة وغير الشرعية التقدم للترخيص لأنهم يرون ملفهم "سياسيا" وليس "قانونيا"، وأرادوا أن يحصلوا على قرار سيادي بالترخيص لا أن يقدموا طلبا للترخيص كباقي الجمعيات عملا بأحكام القانون.
لو تنبه تيار الإخوان غير المرخص لهذه الأبعاد، وتبنى سياسات وازنة وراشدة وبراغماتية، وأقرن الأفعال بالأقوال، لاقترب من تكرار تجربة المغرب الناجحة، ولربما أصبح خيارا حاضرا لتشكيل حكومة. الوقت لم يفت بعد.