كلام اقتصادي للاستهلاك الإعلامي

سلامة الدرعاوي

أكثر خطاب إعلامي مستهلك بالشارع، هو التأكيد على وجود خطة اقتصادية وطنية تحدد أهداف المرحلة المقبلة، تقوم بتنفيذها الحكومة بشكل ممنهج يغنيها عن اللجوء للمجتمع الدولي للمانحين وتحديدا صندوق النقد الدولي.اضافة اعلان
من الناحية النظرية، فإن الأساس هو ان تكون لدى أي حكومة خطة عمل اقتصادية محددة تكون عنوانا لأدائها الاقتصادي، ومن ثم معياراً لتقييماتها ومحاسبتها.
في الأردن هذا الأمر لا يكون إلا من الناحية النظرية فقط ولا يمكن تطبيقه على أرض الواقع وإن كان أمراً في متناول يد الحكومة، فلماذا لا أقوم به إذن؟
السبب في عدم وجود خطة اقتصادية وطنية شاملة لدى الحكومات الأردنية هو غياب العمل المؤسسي الرشيد العابر للحكومات ومجالس النواب معاً، فكُل حكومة تأتي وتنسف ما قامت به سابقتها، وكُل مجلس نواب يأتي ويضع نفسه أسيراً لما تريده الحكومة، لذلك لا يوجد استمرارية في أي نهج أو خطة أو سياسة اقتصادية التي بات غالبها مرتبطاً بوزير معين فقط لا غير.
نعم هناك الكثير من المحاولات التي تسللت إلى الخطاب الإعلامي الرسمي من خلال إطلاق خطط اقتصادية وطنية تضمنت فكرا وإجراءات قابلة للتطبيق ان توفرت الإرادة السياسية من قبل السلطات المختلفة لتنفيذها، لكن للأسف كُل حكومة تأتي لتنسف ما قامت به سابقتها دون معرفة سبب ذلك سوى انها لا تريد ان تسجل على نفسها انها استخدمت برامج وخططا من سابقتها على اعتبار انه ينقص من مكانتها وقدرتها على القيام بمثل هذا الأمر، رغم انه لا يوجد شيء يعيد ذلك، وبإمكان أي حكومة ان تطور أي خطة اقتصادية سابقة وتحدثها ضمن رؤيتها وإمكانياتها.
لكن هذا النهج التقييمي والتحديث للخطط والبرامج الاقتصادية غائب عن كُل سلوكيات الحكومات التي تسارع إلى برامج وخطط عمل تفصيلية مع كُل من صندوق النقد والبنك الدوليين، رغم ان الكثير من تلك الخطط والبرامج الحكومية تتضمن نفس الأفكار والمضامين التي تحتويها برامج التعاون مع المؤسسات الدولية، ولنا في رؤية الأردن 2025 وخطة التحفيز وقبلها الأجندة الوطنية وغيرهم عشرات الخطط التي ملأ إشهارها كُل وسائل الإعلام ليصار بعد ذلك إلى وضعها على الرف.
لنكن صريحين مع انفسنا، نعم لا توجد ثقافة العمل المؤسسي في الحكومات الأردنية، والعامل الشخصي يطغى على سلوكيات الحكومات والتعامل مع الخطط والبرامج.
الغريب والمضحك ان بعض الحكومات استمرت في العمل لمدة اربع سنوات متتالية مثل حكومة النسور على سبيل المثال لا الحصر، واطلقت رؤية عمان 2025 ولجنة تقييم التخاصية، وهي ذات الحكومة التي سارعت لصندوق النقد الدولي وأعادت الأردن اليه رغم تخرجه منه في العام 2004.
هذا السلوك لا يمكن فهمه إلا في إطار الاستهلاك الإعلامي الشعبوي لا أكثر، فالحكومات تسارع الى الصندوق لمعرفتها الداخلية انه لا يمكن في ظل غياب العمل المؤسسي الرسمي ان يكون هناك برنامج اقتصادي ملزم للحكومات والنواب في آن واحد سوى برامج صندوق النقد الدولي التي تشترط في تسهيلاتها المقدمة للحكومات الموقعة معها السير في مجموعة إجراءات تتابع دوريا يوما بيوم، ويجري مراجعة شهرية للتأكد من التزام الحكومات فيما التزمت به، وإلا فالنتيجة أنها لن تحصل على التسهيلات المحددة في البرنامج، لا بل ان التطور الأكثر في ذلك ان معظم المانحين والمقرضين الرئيسيين لن يقدموا المساعدات للمملكة دون موافقة مسبقة من صندوق النقد الدولي، وهذا ما يفسر ويبرر التزام الحكومات الكامل ببرامج التصحيح مع الصندوق، الذي لا يريد في النهاية خطابات إعلامية رنانة للاستهلاك الشعبوي بقدر ما يريد التزام بما تم توقيعه، وهذا ما تفعله حكوماتنا بالضبط.