كلام في القبول الجامعي والموازي

هاتفني خلال أيام ماضية عدد من الطلبة وأولياء أمور طلبة معربين عن استغرابهم من طلب جامعات تسجيل الطلبة في نظام الموازي، دون انتظار نتائج القبول الجامعي الموحد، منوهين أن التسجيل يعني دفع الرسوم، وعدم قدرتهم على استعادة تلك الرسوم أو تصعيب إعادتها، لو قدر لأبنائهم الحصول على مقعد بالقبول الموحد.اضافة اعلان
بعيدا عن الدخول في شرعية الموازي ودوره في إشباع سوق العمل بتخصصات مختلفة ومتراكمة تعاني الدولة بكل وزاراتها في التعامل معها، ما يرفع من نسب التعطل والبطالة لدى الحاصلين على شهادة الجامعة الدراسية الأولى بنسب مرتفعة، غير أن ذلك لا يجعلنا نقر بما تمارسه جامعات حكومية تعتمد تلك الطريقة في التعاطي مع الموازي، وهو أمر يدفع أكثر للاستغراب والسؤال حول شرعية ذلك، وسبب الإصرار على دفع الرسوم قبل ظهور نتائج القبول، مع الإشارة إلى أن الجامعات تلك حكومية، وهذا يجعلنا نتخوف أكثر من الطريقة التي يجري فيها التعاطي مع التعليم العالي بشكل عام، والعقلية التجارية البحتة التي يدار فيها هذا القطاع الحيوي والمهم.
يمكن أن نتفهم طلب جامعات من الطلبة التسجيل في الموازي في أي وقت، بيد أن ذلك يجب أن يكون متزامنا مع حق الطلبة باسترجاع الرسوم المدفوعة بحال حصولهم على مقعد بقوائم التنافس، وعدم تعقيد الأمور، فالأصل أن تكون الجامعات الحكومية متوافقة مع فكر الدولة الذي يجب أن يكون مبنيا وفق الدستور على توفير التعليم للمواطنين، وعدم تصعيب الأمور على الناس أكثر مما هي عليه اليوم.
صرخة أهالي الطلبة حول موضوع الموازي المشار إليها آنفا تدفعنا أكثر للحديث بجدية حول التعليم العالي بشكل عام، وأن نعاود دق الجرس الذي دق في أوقات سابقة من قبل وزراء سابقين، وخبراء تعليم، والحملة الوطنية من أجل حقوق الطلبة (ذبحتونا)، ورفع الصوت عاليا للمطالبة بضرورة إعادة النظر بكل أشكال القبول، سواء التنافس منه أو أي أشكال أخرى متعلقة بالاستثناءات أو الموازي، والحديث بشكل أوسع عن قضية القبول الجامعي في المملكة، فقوائم القبول الموحد (التنافس) وهم أولئك الطلبة الذين يتم قبولهم في الجامعات الرسمية على أساس التنافس من خلال لجنة تنسيق القبول الموحد تغيب عنها العدالة بسبب ارتفاع نسبة الاستثناءات التي تسيطر عليها، وذلك بعكس جامعات رسمية في معظم دول العالم، حيث أن الأصل أن يشكّل طلبة التنافس الجزء الأكبر من طلبة الجامعة، مع وجود استثناءات محدودة جداً، فيما القاعدة عندنا هي كثرة الاستثناءات، وتدني نسبة التنافس (نسبة المقبولين تنافسيا تبلغ 40 % فيما تبلغ نسبة الاستثناءات 60 %) ما يجعل العدالة مفقودة.بالتأكيد، ليس مطلوبا إلغاء كل الاستثناءات بشكل عبثي، وإنما يتوجب تقنينها وإعادة النظر في نسبتها، ورفع نسب المقبولين على قوائم التنافس الحر، بحيث تصبح النسبة أكثر عدالة وواقعية، فمن غير المقبول أو المنطقي أن تكون نسبة الطلبة الذين يدخلون في معركة التنافس الحر دون استثناءات 40 %، وفي الوقت عينه نتحدث يوميا عن دولة المؤسسات والعدالة والمواطنة وسيادة القانون ومقاومة الواسطة والمحسوبية، فالأصل أن يكون القبول الموحد أكثر من 75 % والباقي استثناءات، وأن تلغى الاستثناءات تدريجيا.
عود على بدء، فإن المشكلة التي أشار إليها أولياء الأمور في اتصالاتهم حول دفع رسوم الموازي قبل ظهور نتائج القبول الموحد، وخوفهم من عدم قدرتهم على استرجاع أموالهم، بحاجة لحل، وهذا يتطلب من التعليم العالي التوقف عنده، واتخاذ خطوات تجعلنا نشعر بأن جامعاتنا الحكومية لم تتحول لشركات تعليمية ربحية تلهث خلف المال فقط، دون البحث عن جودة التعليم وتوافقه مع مخرجات سوق العمل.