كلام كبير!

بدأ الأمين العام الجديد للأمم المتحدة بان كي مون عمله بإعلان التزامه إعطاء الأولوية لحل قضايا الشرق الأوسط. كلام كبير! فإما أن الأمين العام الجديد لم يعِ بعد محدودية دور الأمم المتحدة في الشرق الأوسط وعجزه، وإما أنه يُعدّ لانقلاب لن ينجح إلا بكسر سطوة الولايات المتحدة! والأرجح أنه لن ينجح.

اضافة اعلان

فقد شهدت حقبة قيادة كوفي أنان للأمم المتحدة انحساراً هائلاً في استقلالية المنظمة الدولية. سُلِبَت المنظمة صلاحياتها فيما يتعلق بالمنطقة العربية. بات الشرق الأوسط منطقة محرمة على الأمم المتحدة لا تقربها إلا بموافقة واشنطن أو حسب تعليماتها.

في ظل ظروف كهذه، ليس مفهوماً معنى كلام الأمين العام الجديد تقديمه حل قضايا الشرق الأوسط في أولويات المنظمة الدولية. ذلك أنه رغم تعدد الأزمات التي تعاني منها المنطقة، هنالك ملفان رئيسان لا سلام إقليميا من دون حلهما: الصراع العربي - الإسرائيلي والأوضاع المتدهورة في العراق.

لم تسمح أميركا للأمم المتحدة التدخل في هذين الملفين في السابق. ولا مؤشرات أن هذا الموقف سيتغير.

حيّدت واشنطن المنظمة الدولية في الصراع العربي - الإسرائيلي. أحبطت محاولات مجلس الأمن الدولي اتخاذ قرارات حاسمة بشأنه. وحالت دون تنفيذ ما اتخذ من قرارات. ملاحظة بسيطة للسيد بان كي مون: القرار 242 عمره 40 عاماً. لم ينفّذ منه شيء.

المهمة ليست أسهل في الملف العراقي. غزت أميركا العراق رغم أنف الأمم المتحدة. اتّبعت سياسات وفرضت قرارات أغرقت العراق في دوامة العنف والفوضى ووضعته في أتون الاقتتال الطائفي. وبعد ذلك، نجحت واشنطن في إقناع مجلس الأمن إرسال بعثة أممية لمساعدة العراق. لكن أميركا لم تُرد لهذه البعثة أن تعمل شيئاً. كبّلت أياديها. وأعاقت عملها.

لم تسمح أميركا، ولن تسمح، للأمم المتحدة أن تمارس دوراً غير ذلك الوظيفي الذي رسمته لها في الشرق الأوسط.

هنا مكمن صعوبة ترجمة الأمين العام الجديد للأمم المتحدة قوله فعلاً. التركيز على حل قضايا الشرق الأوسط سيتطلب من بان كي مون أن يطبق قرارات الشرعية الدولية الداعية إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وتلبية حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة. وسيتطلب منه ذلك أيضاً الحد من عبثية واشنطن في العراق وتحميل أميركا مسؤولية تدمير بلد عضو في الأمم المتحدة.

باختصار، النجاح في تنفيذ ما قاله بان كي مون يتطلب منه تحدي أميركا وإنهاء هيمنتها على المنظمة الدولية. وتلك مهمة لا يبدو أن وزير الخارجية الكوري السابق سيكون قادراً عليها. وسيكون فعله أصغر بكثير، وبكثير جداً، من كلامه.