كلف مكافحة الفساد

استطاع الأردن التقدم في مكافحة الفساد وفق مؤشرات تقرير مدركات الفساد للعام 2015، والذي تصدره سنويا منظمة الشفافية الدولية. لكن علينا أن لا نحتفي بذلك كثيرا؛ فعلى قدر ما يوجب الأمر الاعتراف أن ما تحقق يعد إنجازا وطنيا مهما، فإن هناك جهدا كبيرا لم يبذل بعد.اضافة اعلان
واحدة من مفارقات مكافحة الفساد في سنوات العقد الماضي أننا لم ندرس بعد ديناميكية الدولة والمجتمع في التعاطي مع الابعاد الاجتماعية والسياسية لهذه الظاهرة، بمعنى متى تتقدم الدولة ومتى تتراجع. فالدولة كانت قادرة أن تسوق رؤوسا كبيرة كانت في مؤسسات أمنية ومؤسسات اقتصادية وسياسية، إلى ساحات القضاء، وبعضها إلى السجون. في حين تعثرت آليات الدولة في التصدي لمقاومة فاسدين في ملفات أخرى. وثمة صوت قوي لهذه المقاومة يجعل كلف مكافحة الفساد كبيرة. ولعل أحد الأمثلة على هذه الكلف ما نشهده في الإعلام. فهذا الأخير قد يتقاعس عن أداء دوره الرقابي في كشف الفاسدين، لكن المفارقة أن يستثمر بعضه ويتحول إلى أداة للإفساد.
تقرير منظمة الشفافية الدولية يشهد أن الأردن تجاوز الحافة وفق مدركات الفساد، وحقق الترتيب 45 من بين 168 دولة. فيما يجب أن لا يغيب عنا أن هذا المقياس لا يقدم مؤشرات فعلية، بل هو أقرب إلى قياس اتجاهات وانطباعات ولا يقيس وقائع على الأرض.
بعدما حملت رياح الحراك الشعبي قضية الفساد إلى رأس قائمة الأولويات الشعبية، تشكلت خلال السنوات الأخيرة إرادة سياسية واضحة هدفها تطوير برنامج وطني لتطوير الكفاءة العامة في مجال النزاهة. وفي ضوء هذا التطور الذي يعكس نمطا من الاستجابة الديمقراطية، تُقرأ جهود اللجان الملكية للنزاهة وإنجازاتها في بناء هذا الإطار الوطني. وهنا تجدر الإشارة إلى أن المؤسسات الدولية التي تعنى بهذه الملفات كانت تراقب عن كثب هذه الجهود. وفي الوقت الذي استطاع الأردن التقدم خلال هذه الفترة أربع درجات، فإن الإنجازات في مختلف محاور الخطة التنفيذية لمنظومة النزاهة الوطنية، وفق تقرير اللجنة الملكية للمتابعة، لم يتجاوز 50 % بعد مرور أكثر من عامين على وضع هذه الخطة موضع التنفيذ.
لم تكن كل المعركة ضد الفساد نزيهة بالكامل. لكن بالرغم من تواضع النتائج في الكثير من الملفات التي فتحتها، إلا أن تلك المعركة وظفت احيانا في تصفية الحسابات وفي صراع الإرادات داخل المؤسسات الرسمية وخارجها. بل أحيانا استُثمر حماس الناس والإعلام لاجتثاث الفساد وانتزاعه من جذوره، في افتعال ملفات فساد وهمية من أجل التغطية والتمويه، ما جعل الجهود الفعلية، أحيانا، بحاجة لأن تخوض معارك هنا وهناك.
المسألة التي لا تقبل التخمين تبدو في أن معركة الفساد وتبييض الصفحات لا يمكن أن تخاض بالتجزئة، ولا يمكن أن تأتي بنتائج سياسية واجتماعية إذا بقيت تقوم على الانتقائية؛ فالفعل الجاد الذي سيحرك الوعي العام ويستعيد الثقة بأن الدولة هي الضامنة للنزاهة والعدل، يتمثل في أن يصل لقناعة الناس أنه لا توجد خطوط حمراء في مكافحة الفاسدين، حتى وإن حرك ذلك زلزالا كبيرا.