كلما تأجَّل الإغلاق أكثر.. أصبح أطول

جورج إيتون* - (ذا نيو ستيتسمان) 28/10/2020

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

اضافة اعلان

تتحدث أستاذة جامعة إدنبرة عن فشل بريطانيا في مواجهة "كوفيد - 19" ولماذا تكون أفضل طريقة لإنقاذ الاقتصاد هي حماية الصحة العامة.

  • * *
    في حزيران (يونيو) 2018، خلال ظهورها في "مهرجان هاي للآداب والفنون" في ويلز، قالت ديفي سريدهار محذِّرة: "إن أكبر تحدياتنا الصحية مترابطة… أكبر تهديد لسكان المملكة المتحدة هو شخص في الصين يلتقط العدوى من حيوان… ثم يركب طائرة إلى المملكة المتحدة. ما فائدة أن تشعر المملكة المتحدة بالقلق بشأن ما يحدث هنا فقط؟".
    في العام 2020، بعد أن عانت المملكة المتحدة من أكثر من 45.000 حالة وفاة من "كوفيد - 19"، أثبتت كلمات العالمة الأميركية أنها نافذة البصيرة. طوال فترة الأزمة، كانت سريدهار، 36 عامًا، أستاذة ورئيسة قسم الصحة العامة العالمية في جامعة إدنبرة، صوتًا يتسم بالوضوح والأهمية.
    وقالت عندما تحدثنا مؤخرًا: "كان هناك تشوش في الاختيار بين الضرورات الصحية والاقتصادية. في البداية، أجّلت حكومة المملكة المتحدة الإغلاق لأن الفكرة كانت أن علينا إنقاذ الاقتصاد والتقليل من تدخلنا. ولكن، إذا نظرنا إلى الأداء الاقتصادي خلال النصف الأول من العام 2020، فإن ما يتضح هو أن الأماكن التي كانت حازمة، وتعاملت مع مشكلة الصحة العامة ثم خففت الإجراءات، شهدت انتعاشاً اقتصادياً أفضل وثقة أكبر لدى المستهلك. انظر إلى دول شرق آسيا، إنها تبدو متشابهة إلى حد كبير، وهو أمر رائع".
    "في الغرب، بشكل عام، دخلنا في إغلاق متأخر، وبالتالي كان إغلاقًا طويلاً. وقد أمضينا أسابيع في مناقشة ما إذا كان إجراء اختبارات الكشف عن المرض مفيداً، ثم بدأنا الاختبارات على قدم وساق، ولكن نظام الاختبار والتتبع لم يكن يعمل بشكل كامل. ودخلنا في دوائر حول مدى خطورة الفيروس. لا أعتقد أن مثل تلك المناقشات حدثت في البلدان التي طبقت الإغلاقات فعلاً".
    تعتقد سريدهار، التي درست الأمراض المعدية منذ فترة طويلة، أن الغرب كان بطيئًا في فهم خطورة "كوفيد - 19" لأنه أقل فتكًا من الفيروسات الأخرى مثل (سارس) و(إيبولا) و(ميرس). وتقول: "لا توجد طريقة يمكنك أن تقول بها للناس: ‘10 في المائة منكم سيموتون’. ولكن، لأن خطورته على الحدود -1 في المائة (كمعدل للوفيات)- فإنه يؤدي إلى التفكير على طريقة: ‘هل يمكننا أن نتدبر الأمر باستراتيجية الانفلونزا؟ البلدان التي تعاملت مع مرض (سارس) كان أداؤها أفضل".
    على الرغم من أن الخيار الذي تواجهه الحكومات غالبًا ما يتم تأطيره بأنه حماية الأرواح أو حماية الاقتصاد، عانت المملكة المتحدة من أسوأ ما في العالمَين: فقد سجلت معدل وفيات مفرط أعلى من أي دولة أوروبية أخرى (أكثر من 65.000 حالة وفاة)، وتحملت ركوداً اقتصادياً أسوأ من أي دولة عضو في مجموعة السبعة الكبار.
    وقالت سريدهار: "لا أعتقد أنه تم اتخاذ أي قرار متعمد بعدم حماية الأرواح أو سبل العيش. كان ذلك من نوع استراتيجية لا هنا ولا هناك، والتحرك إلى الأمام والخلف. إنهم يحاولون السير في الطريق الأوسط، لكن الطريق الأوسط لا يقودك إلى أي مكان، للأسف".
    وتعتقد سريدهار أن ارتفاع معدل دخول الحالات إلى المستشفيات في المملكة المتحدة (حاليًا 9.199 شخصًا) يجعل كسر دائرة العدوى إجراءً "حتمياً لا مفر منه".
    وتقول: "المستشفيات تمتلئ مسبقاً، ما يؤخر العمليات الجراحية، سنعود إلى تحويل ‘هيئة الخدمات الصحية الوطنية’ إلى خدمة كوفيد الصحية فقط للتعامل مع هذه الأرقام. وإذا كانت استراتيجيتك تعتمد على الرعاية الصحية، فسوف تخسر. الأمر يشبه ترك حارس مرماك بمفرده على أرض الملعب… تتعلق الوقاية من الأمراض المعدية كلها بالطبقات التي تضعها في المقدمة حتى لا يصل أي شخص إلى المستشفى على الإطلاق".
    وحذرت بالقول: "كلما طالت مدة تأجيلنا قرار الإغلاق، طال أمده أكثر. إنه يتعلق بمنحنى الوباء الخاص بك: كلما استغرق ارتفاعه وقتًا أطول، تطلب انخفاضه وقتًا أطول أيضاً، ولهذا السبب إذا كان المنحنى أكثر انخفاضًا، فإنك ستخرج بشكل أسرع. هناك دول دخلت في حالة إغلاق وخرجت منها بينما كنا ما نزال ندخلها، لأنها دخلتها بشكل أساسي بطريقة صارمة".
  • * *
    ولدت ديفي لاليتا سريدهار وترعرعت في ميامي، فلوريدا، لعائلة هندية. وبعد حصولها على شهادة في علم الأحياء من جامعة ميامي في سن 18 عامًا فقط، أصبحت أصغر شخص في الولايات المتحدة يحصل على منحة رودس بجامعة أكسفورد.
    وينبع تفاني سريدهار وتكريس نفسها للصحة العامة من فقدان والدها بسبب السرطان عندما كانت في السابعة عشرة من عمرها. وتذكرت في مقابلة مع مجلة "لانسيت" في وقت سابق من هذا العام: "حتى عندما كنت مراهقة كنت أرى أن الصحة هي تعريف الثروة الحقيقية".
    وتقول: "كان الكثير من أصدقائي يتواجدون في الحفلات بينما أكون في المستشفى -أو عندما كبرت، بينما أقود السيارة في سن السادسة عشرة لأعيد أبي إلى البيت من العلاج الكيميائي. وقد تشكلت لديّ قناعة حقيقة بأن الصحة هي أساس وجودنا. لا يهم حقًا عدد السيارات التي لديك أو إذا كان بإمكانك السفر بالدرجة الأولى، لكن المهم حقًا أن تكون قادرًا على عيش حياتك بطريقة مُرضية".
    وكان والدها، الدكتور كاسي سريدهار، الذي توفي بسرطان الدم وسرطان الغدد الليمفاوية عن عمر ناهز 49 عامًا، متخصصًا في سرطان الرئة في جامعة ميامي. وقالت لي ابنته: "إنك لا تأخذ أي شيء معك عندما تموت. كل ما تأخذه هو إرثك من الخير الذي فعلته في العالم".
    سريدهار، التي شغلت منصبها في إدنبرة في العام 2014 بعد أن عملت سابقًا في جامعة أكسفورد، تعمل أيضًا كعضو في المجموعة الاستشارية للحكومة الاسكتلندية حول فيروس "كوفيد - 19". هل تعتقد أن وجود بوريس جونسون كرئيس للوزراء فاقم مشاكل المملكة المتحدة؟
    تقول: "إنني كثيراً ما أقع في المشاكل بسبب هذه التعليقات السياسية! أعتقد أننا بحاجة إلى نوع معين من القيادة الآن: هادئة، مدروسة، وكارهة للمخاطر، وقائمة على أسس علمية. ليس على أساس استطلاعات الرأي العام لأن الناس يريدون أن يتم توجيههم؛ أن تتم قيادتهم".
    "أعتقد أن لدينا بدلاً من ذلك الكثير من الرسائل المختلطة. لدينا رئيس وزراء يريد أن يكون شعبياً ويريد أن يكون محبوباً ويريد إخبار الناس بأشياء تجعلهم يشعرون بالرضا. لسوء الحظ، نحن في أزمة حيث يتعين علينا أن نقول للناس الحقائق الصعبة ونعترف بمدى سوء الأزمة".
    وسخرت سريدهار من أولئك الذين يجادلون بأن "مناعة القطيع" و"حماية الضعفاء" -الأمران اللذان دعا إليهما "إعلان بارينغتون العظيم" الأخير- هي استراتيجية قابلة للتطبيق.
    تقول: "لا يمكننا حماية الضعفاء، لقد حاولنا ذلك ولم ينجح، لذلك سيموت الكثير من الناس… سوف يضعك ذلك في دورات من الإغلاق والتخفيف بسبب ارتفاع أعداد الذين يحتاجون إلى العلاج في المستشفى. الشباب لا يموتون من هذا ولكنهم يدخلون المستشفى: أولئك الذين في الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات من العمر. وإذا كانت مستشفياتك ممتلئة، فلا يمكن تشغيل جميع العناصر الصحية الأخرى، مما يعني أنك ستكون مجبراً على الإغلاق".
    وتضيف: "ثم لديك ‘كوفيد الطويل’، ارتفاع معدلات الاعتلال لدى الشباب. إننا لم نستخدم هذا النهج مطلقًا في التعامل مع أي مرض معدٍ في الماضي، ولم نسمح لأي مرض بالانتشار أبدًا، واستخدمنا استراتيجيات السيطرة على المرض والقضاء عليه… الحماية المركزة لا تعمل. إن هذا عمل غير أخلاقي وغير علمي، إنه يخبر الناس بما يريدون سماعه ويمنحه مظهرًا من المصداقية العلمية".
    في الوقت الذي تكافح فيه البلدان ضد موجة ثانية من الفيروس (أو موجة أولى لم تنكسر في الحقيقة)، يبحث المراقبون عن أمثلة لمحاكاتها. ويستشهد البعض بنيوزيلندا؛ حيث أدى الإغلاق السريع إلى وفاة 25 شخصًا فقط بسبب فيروس كورونا وتحقيق فوز ساحق في الانتخابات لحزب العمال بزعامة جاسيندا أرديرن. ويشير آخرون إلى السويد، التي سجلت عددًا كبيرًا من القتلى، لكنها تجنبت حتى الآن موجة ثانية كبيرة، أو ألمانيا، حيث سمحت الاختبارات الجماعية للبلد بالإفلات من أسوأ ما في الوباء.
    ما الذي تعتقد سريدهار أن المملكة المتحدة يمكن أن تتعلمه من الدول الأكثر نجاحًا؟ تقول: "قمنا بإعداد مراجعة للنشر في مجلة لانسيت؛ الفوز هنا لا يقتصر فقط على الحد من وفيات كوفيد، إنه جعل اقتصادك يعمل، والبطالة منخفضة، والمدارس مفتوحة إلى حد كبير، والخدمات الصحية تعمل".
    "كانت هناك ثلاثة أشياء: الأول وضع نظام اختبارات قوي ونظام لتتبع الحالات. ومسألة الاختبارات ضرورية للغاية من حيث عدد الأشخاص الذين تقوم بفحصهم ثم كيفية إدارة الحجر الصحي وجهات الاتصال".
    "الشيء الثاني كان تبني سياسة إرشاد جيدة حقاً: القول للناس: لا أحد يريد هذه العدوى، إنها عدوى لا تريد أن تصاب بها. إنه فيروس خطير، وأنت لا تريد أن تصاب به ولا تريد أن تنقله. لا تذهب إلى الأماكن المزدحمة، واستخدم قناع الوجه، والتهوية هي المفتاح".
    "والشيء الثالث، وهو المكان الذي تكافح فيه أوروبا أكثر من غيره، هو حول ضوابط الحدود. إنك لا ترغب في الاستمرار في استيراد سلاسل العدوى، وبمجرد أن تسحق المنحنى يكون من السهل العزل. هذا لا يعني أن تغلق على نفسك إلى الأبد ولكنك تحل مشكلتك المحلية أولاً ثم تقوم بإعداد فقاعات السفر الخاصة بك. هذا ما فعلته دول شرق آسيا: هونغ كونغ وسنغافورة لديهما فقاعة سفر، كوريا الجنوبية بدأت واحدة. ونيوزيلندا وأستراليا لديهما فقاعة سفر أيضاً".(1)
    "أحد الأشياء التي يمكن للدول الأكثر ثراءً، على وجه الخصوص، القيام بها هو وضع متراسٍ حول سكانها لحمايتهم ثم السماح لهم بالعودة إلى بعض مظاهر الحياة الطبيعية. العودة إلى ألعاب الرجبي الكبيرة، والنوادي المفتوحة، والموسيقى الحية، والفنون، وكل الأشياء التي تجعل الحياة تستحق العيش، ولكن في المقابل لا يمكنك السفر بسهولة. هذه هي المقايضة التي قبلتها دول شرق آسيا والمحيط الهادئ. لكنهم في أوروبا أرادوا كل شيء".
    على الرغم من أن سريدهار تأمل في تطوير لقاح ناجح بحلول ربيع العام 2021، إلا أنها تحذر: "لن يكون اللقاح مثاليًا أو حلًا سحريًا. إنه مكوِّن فقط مثل اختبارات الكشف عن الوباء أو التطبيقات الأفضل والعلاجات الأفضل. لن يكون مثل نهايات القصص الخيالية التي يأملها الناس".
    وأضافت أن عدم وجود لقاح، إلى جانب سوء الأحوال الجوية، يعني أن "الأشهر الأربعة المقبلة ستكون صعبة حقًا. سوف يستمر هذا لفترة طويلة، لكننا سنشعر بالراحة ابتداءً من شهر آذار (مارس) حيث تصبح الأيام أطول ومع اقترابنا من الصيف، مع فرصة جديدة لتكون قادرًا على تصحيح هذا الوضع قبل الشتاء المقبل".
    شكل "كوفيد - 19" واحداً من أمراض الفقر: فقد تفاعل مع العلل الطبية والاجتماعية الموجودة مسبقًا ليكون له تأثير مميت (تحدث ريتشارد هورتون، محرر مجلة لانسيت، عن إصابة المملكة المتحدة بـ"متلازمة": بتوليفة من الأوبئة). وليس من قبيل المصادفة أن تكون ليفربول، رابع أكثر السلطات المحلية حرمانًا وفقراً في إنجلترا، هي المنطقة الأولى التي تم تصنيفها على أنها "شديدة الخطورة" وفق النظام الجديد الذي وضعته الحكومة.
    بالنسبة لسريدهار، لن يُقاس النجاح فقط بما إذا كانت المملكة المتحدة ستهزم "كوفيد - 19"، ولكن أيضًا بما إذا كانت ستتمكن من إصلاح المكامن العميقة لعدم المساواة.
    وتقول: "كشف ‘كوفيد - 19’ من جميع الجهات مدى انعدام المساواة في مجتمعنا. وأظهر ما إذا كان بإمكانك، أثناء الإغلاق، أن تهرب إلى العقارات الريفية والاستمتاع بها، أو ما إذا كنت من الطبقة العاملة، أو عالقًا في المنزل مع أطفالك أو مضطرًا للذهاب إلى العمل كل يوم. سيكون من الأكثر احتمالاً بكثير أن تموت إذا كنت من خلفية محرومة، وهذا بسبب المخاطر المهنية ومخاطر السكن. أملي في المستقبل هو أن يكون لدينا شعور متجدد بالمجتمع وبمعالجة هذه التفاوتات".

*نشرت هذه المقابلة تحت عنوان: Devi Sridhar: “The longer the UK delays lockdown, the longer it will last”
هامش المترجم:
(1) فقاعة السفر Travel bubble: هي، بعبارات بسيطة ، اتفاق بين دولتين أو أكثر لفتح حدودها للسفر من دون فرض حجر صحي صارم. وبشكل عام، يتم إجراؤها بين الحكومات القريبة من بعضها بعضا والتي تثق ببعضها بعضا، وبأن كلا الجانبين يديران الفيروس بشكل جيد.