"كورونا" أشد وطأة على الفقراء

figuur-i-333
figuur-i-333

سماح بيبرس

عمان- لم يفرق وباء كورونا بين غني وفقير .. فهو كالنار "تأكل الأخضر واليابس".. ينتشر بين الناس رغم كل المحاولات العالمية لمنع تفشيه.
المفارقة بين الغني والفقير في هذه الأزمة المأساوية أن الأول يمتلك قوت أيام وأشهر وربما سنوات لكن الأخير ضاقت به الدنيا قبل "كورونا" وبعدها.
وفي حكم المؤكد أن أزمة الوباء المستجد التي تعصف بالعالم ستكون أشد وطأة على الفقراء وهذا ما توقعه قادة العالم ومؤسسات دولية ومحلية وخبراء يرون أن مثل هذه الأزمات تؤثر بدرجة أكبر على الفقراء.
ورغم أنّ "الكورونا" لم يكن كغيره من الأوبئة التي شهدها العالم واستهدف أعداد أكبر من الفقراء، حيث لم يفرق بين غني وفقير وبين مسؤول ومرؤوس، إلّا أنّ تبعاته الاقتصادية ستكون أكبر وأقسى على الأفقر سواء على مستوى الأفراد أو على مستوى الدول.
أم صالح التي تقطن في مخيّم البقعة وتتقاضى 90 دينارا من وزارة التنمية الاجتماعية، تؤكّد أن ابنها الذي يعمل كعامل مياومة ويساعدها في مصروف المنزل يجلس دون عمل منذ فرض "حظر التجوّل"، وينتظر "فرج الله" وانتهاء هذا الفيروس الذي وصفته "باللعين".
وها هي سهاد (اسم مستعار) التي تعمل عاملة منزل، قد انقطع دخلها ( 16 دينارا يوميا) منذ الأربعاء الماضي عندما بدء حظر التجوّل في المملكة، وهي تعبّر عن خوفها من ما تحمله الأيام المقبلة، وكيف ستؤمن المال اللازم لها ولأسرتها، لتقول "والله مش عارفة شو بدي أعمل".
وكان منتدى الاستراتيجيات الأردني قد أكد في ملخص سياسات نشره مؤخرا بعنوان " التعامل مع ذوي الدخل المحدود والفئات الأكثر عرضة للتهديد خلال أزمة كورونا" الى أنّه "ومع دخول اجراءات مواجهة فيروس كورونا مرحلة جديدة وتفعيل قانون الدفاع وتعليق عمل الكثير من الافراد ومؤسسات القطاع الخاص، فإن هناك فئات من ضمن القطاع الخاص التي تعمل في الظل او خارج المنظومة الرسمية قد تعطلت أنشطتها وبذلك ” فإن أعدادا كبيرة من هذه الفئات ستعاني من ضائقة مالية ومادية وعدم القدرة على الوفاء بالالتزامات المالية عليها، ونحن ما نزال في بدايات التطبيق الفعلي لتخفيض حجم الانشطة الاقتصادية وأزمة التعاطي مع تداعيات “كورونا” مما يعني ضرورة اجتراح بعض الحلول وتوجيه جانب من الدعم لتلك الفئات لمساعدتها على تخطي هذه المرحلة الصعبة. إذ إنه من المتوقع أن تشهد الفترة القريبة المقبلة تصاعد شكاوى تلك الفئات حال عدم توجيه جانب من الدعم لمساعدتهم بشكل مباشر".

اضافة اعلان


ولفت الى ان أهم مواصفات الافراد الذين تشملهم هذه الفئات هي انهم غير خاضعين الى تأمينات اجتماعية مثل رواتب التقاعد او التأمين الصحي، “وعلى الرغم من أن التأمين الصحي من قبل الحكومة ومؤسساتها يشمل المتضررين من كورونا، الا ان القوة الشرائية لهذه الفئات تعتبر محدودة جدا ولا تمتلك العمق المالي المتمثل بالمدخرات او ملكية الاصول التي يمكن ان يستندوا اليها للتكيف مع الظروف المستجدة والانقطاع الاجباري عن العمل الذي فرضته الظروف الحالية".
وأشارت الورقة نسبة الى منتدى البحوث الاقتصادية الى أنّ نسبة العمالة غير الرسمية في الأردن تصل الى 52 % من العمالة حتى نهاية 2016. وتشير الأرقام الرسمية الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة الى أنّ معدلات الفقر في المملكة تقدّر بـ15.7 %، وأنّ هناك حوالي مليون أردني يصنّفون كفقراء في المملكة، 8 آلاف منهم يعيشون تحت خط "الفقر المدقع".
وتبيّن ذات الأرقام التي تعود للعام 2017-2018 إلى أن 6 % من الأسر الأردنية يقدر متوسط إنفاقها بحوالي 441 دينارا شهريا، وهي الأسر التي تصنف ضمن “الأشد فقرا”. وتشكل هذه الأسر 10 % من سكان المملكة.
وصنفت الإحصاءات الأسر بحسب إنفاقها إلى 5 شرائح؛ الأولى تمثل 8.8 % من الأسر الأردنية؛ حيث تنفق أقل من 416 دينارا شهريا، والفئة الثانية تشكل 40.2 % وتنفق بين 416 دينارا إلى 833 دينارا شهريا، والفئة الثالثة تبلغ نسبتها 26.2 % من الأسر الأردنية، ويتراوح إنفاقها بين 833 دينارا و1250 دينارا شهريا، فيما تنفق 12.4 % من الأسر الأردنية بين 1250 و1666 دينارا شهريا، و12.5 % من الأسر تنفق أكثر 1666 دينارا شهريا.
عميد كلية العلوم الاجتماعية في جامعة مؤتة الدكتور حسين محادين بدا مؤيدا لنظرية أن الطبقات الهشة والفقيرة تكون أكثر تأثرا بالأزمات فهو يقول إنّ "الاختلال في ميزان الفرص والثروة وملكية أدوات الإنتاج لا تصب في صالح الشرائح الفقيرة عادة" وأن هذا الاختلال ليس ماليا فقط وانما أيضا تنموي أيضا فهو فقر على مستوى الاقليم أو على مستوى المحافظات والمدن".
ويرى أن الاختلال البنيوي المبني على وجود فئة غنية مستغلّة وفئة مستغلة فقيرة يجعل هذه الشريحة أقل تحملا لتكاليف الحياة، وهي عرضة ورأس حربة للنهش والتضحية" ليبقى رأس المال بأطيافه واجهة التهميش والظلم الاجتماعي.
ويشير الى أن قيام الثورات والاعتصامات ما هي إلا سعي محدود من هذه القاعدة السكانية الواسعة نحو تعديل أنماط العلاقة الاقتصادية غير المتكافئة، وفي المقابل فإنّ هذه الشريحة تنعت بأنها مغلقة ومتخلّفة وأنانية عندما تطالب بحقوقها لا سيما عندما يكون هذا النعت والوصف صادر من مهيمن يملك أدوات الاعلام والتحليل في المجتمع ويملك "فرض وتعريف الحقيقة".
وقد بدا ذلك واضحا -بحسب محادين- في الأيام القليلة الماضية عندما أظهر الاعلام مثل هؤلاء في المناطق الأفقر في عمان والمحافظات وهم يتهافتون على الخبز، حيث إنّ رغيف الخبز يمثل "تحدي بحدود الحياة بالنسبة للفقير، في حين أنّه ليس ضرورة بالأصل بالنسبة للأغنياء".
وعلى العكس من ذلك يرى أستاذ الاقتصاد في جامعة اليرموك الدكتور قاسم الحموري بأنّه "في مثل هذه الأزمات يكون التضامن والتآزر أكبر"، وأنّ "أزمة الكورونا جعلت الجميع يغير من طريقة تفكيره نحو الآخر سواء على مستوى الأفراد أو على مستوى الدول"، مضيفا أنّها "وحدت الجميع نحو مواجهة هذا الفيروس" وهذا بدا واضحا في الدعم والمساعدات التي قدمت لهذه الفئات سواء من الدولة أو من الأفراد ذوي الدخل العالي".
وقد بدا الحموري أكثر تفاؤلا إذ يرى أنّ "المهم ما بعد الكورونا" حيث لا بدّ من أن تكون نقطة انطلاق نحو الأفضل ليتم تغيير طريقة التفكير والبدء نحو العمل على تدعيم سياسات "الاعتماد على الذات" ليتم تنشيط الاقتصاد المحلي من خلال الصناعات المحليّة لا سيما الغذائية والزراعية والتي قد توظف أعدادا كبيرة من العمالة، وبالتالي انخفاض البطالة والفقر".
وكانت الحكومة قد اتخذت خلال الأسابيع الماضية مجموعة من الإجراءات الاقتصادية والمالية كتأجيل استحقاق ضريبة المبيعات لحين قبض المبالغ من القطاع الخاص، وتعليق تنفيذ فصل التيار الكهربائي عن غير المسددين لمدة شهر، كما تم فرض سقوف سعرية على السلع التي شهدت ارتفاعا في أسعارها، إلى جانب فرض عقوبات على من لا يلتزم بها.
كما شملت القرارات الحكومية أيضا، تسهيل إجراءات الرقابة في إدخال البضائع كالدواء والغذاء، فيما تم صرف أجور شهر مارس/ آذار لموظفي القطاع العام والمتقاعدين المدنيين والعسكريين، لغايات ضمان توفير السيولة النقدية، وأعلن البنك المركزي جدولة القروض والسماح بتقسيطها بدون أي فوائد للشركات والمؤسسات والأفراد. وقامت مؤسسة الضمان الاجتماعي بتعليق تطبيق تأمين الشيخوخة على العاملين في منشآت القطاع الخاص ولمدة ثلاثة أشهر اعتباراً من الأول من آذار 2020 بحيث يُعطى الخيار للمنشأة في استثناء كل أو بعض العاملين لديها من تأمين الشيخوخة مقابل استمرار شمولهم بتأمين العجز والوفاة وإصابات العمل والأمومة والتعطل، وهذا يترتب عليه تخفيض نسبة الاشتراكات المترتبة عليها وعلى العاملين لديها من (21.75 %) إلى (5.25 %)، وأتاحت المؤسسة للمؤمن عليهم الأردنيين العاملين في القطاع الخاص والذين يتم تعليق شمولهم بتأمين الشيخوخة أن يشتركوا اختيارياً عن هذه الفترة.كما ستمنح المنشآت خيار تقسيط الاشتراكات المترتبة ودون ترتيب فوائد تقسيط عليها، على أن يتم سدادها على فترة تمتد حتى نهاية العام 2023.
وأعلنت عن تقديم دعم عيني لعمال المياومة لتستهدف 100 ألف أسرة يعيلها عامل مياومة أو لديها كبير في السن. ووفقا لمسح الأمن الغذائي في الأردن لعام 2013/2014 فإن هناك 6200 أسرة في المملكة (28078 ألف فرد) غير آمنة غذائيا، مقارنة بـ3800 ألف أسرة في العام 2010، أي بزيادة قدرها 61 %. أي أنّ هذه الأسر وفقا لتعريف المنظمات العالمية "غير قادرة على تأمين أغذية تكفي لتلبية الاحتياجات التغذوية لأفرادها".
وأوضح المسح أن هناك 71.3 ألف أسرة تعتبر هشة نحو انعدام الأمن الغذائي، وهم "أولئك الذين يكونون عرضة لانعدام الأمن الغذائي عند التعرض لأي صدمات مستقبلية".
يشار الى أنّ البنك الدولي كان قد أشار بعد نشره العام 2016 لدراسة بعنوان " كيفية حماية الفقراء من الكوارث الطبيعية" الى أنّه"حيثما تقع الكوارث، فإنها لا تخلف آثار الدمار فحسب، بل تترك مجتمعات محلية في قبضة الفقر". فيما قال كبير معدي هذا التقرير ستيفان هاليغات، حينها الى "خسارة دولار واحد ليست لها التأثير نفسه بالنسبة لشخص غني وآخر فقير".
وأضاف "الخسارة نفسها تؤثر في الفقراء والمهمشين أكثر بكثير، لأن مصادر رزقهم تعتمد على أصول قليلة، كما أن استهلاكهم يكاد يصل إلى مستوى الكفاف".
وكانت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد قد أعربت عن رأيها في وقت سابق من هذا الشهر بأن "التداعيات الاقتصادية لوباء كورونا قد تكون مشابهة للأزمة المالية العالمية لعام 2008".
أما بنك غولدمان ساكس فقد توقع انكماش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي العالمي حوالي 1 % في 2020، وهو ما يفوق معدل التراجع الاقتصادي الذي تسببت به الأزمة المالية العالمية العام 2008.وقال أنّ "أزمة كورونا -أو بالأحرى سبل مواجهة هذه الأزمة- تضع قيودا مادية (وليست مالية) على النشاط الاقتصادي بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ ما بعد الحرب" العالمية الثانية