كورونا التي عطلت الإعلام!

تكتب الزميلة هديل غبّون على صفحتها على فيسبوك، داعية إلى التوقف عن متابعة أخبار كورونا الآتية من خلال لهاث متواصل من التصريحات الرسمية التي لا تنتهي. وتطالب عوضا عن ذلك أن تكون التغطيات على شكل متابعة لملفات مهمة وقضايا استقصائية بعيدا عن الشكل الخبري المجرد.اضافة اعلان
للحقيقة، فإن هذه واحدة من الدعوات المهمة في سياق توجيه وسائل الإعلام المحلية لكيفية التعامل مع الجائحة. خلال زهاء ستة أشهر، وقف الإعلام على قدم واحدة، وظل مأخوذا بالرواية الحكومية التي أدخلته في متاهات أرقام الإصابات الجديدة، والمتعافين والأسرة المجهزة لاستقبال المرضى، والبؤر الجديدة، والإغلاقات، وغير ذلك من الأخبار المتصلة.
لقد نجحت الحكومة في أن تجر وعينا إلى اللهاث خلف إيجازاتها أو مؤتمراتها الصحفية، كما نجحت في أن توحد المشاهدين على القنوات المحلية لانتظار طلة الوزراء في ساعة محددة، حتى غدا أولئك الوزراء بمثابة النجوم اليوميين الذين يقتحمون بيوتنا بلا دعوات.
خلال كل هذه العملية، والتي ربما تم التخطيط لها بذكاء من خلال دراسات سلوك القطيع الشهير أو السيطرة على الجماهير، تناسى الإعلام وظيفته الأساسية، وهي فحص الروايات، ومتابعة الخبر إلى ما ورائه، وليس الاكتفاء بنقله والاعتماد بشكل نهائي على صدقية الرواية الحكومية وقداسة تخريجاتها!
بعد أشهر طويلة من خبرة التعامل مع الحكومة في ظل جائحة كوونا، علينا أن نعترف اليوم بأننا غالبيتنا تورطت في السياق الذي تم تصميمه؛ شكلا ومحتوى، للتعامل مع خبر الجائحة، والمفاصل المهمة التي أرادت لها أن تقع تحت دائرة الضوء الساطع، وتلك التي أرادت لها أن تتوارى خارج الأضواء.
آليات الحكومة التي طورتها باستمرار على مدار أسابيع الأزمة، تكشف عن «مسرحة» لا بأس باحترافيتها، خصوصا ما يتعلق منها بما بات يشبه التقاليد المعروفة في المؤتمر الصحفي شبه اليومي، والتنويع بإخراج الوزراء على الإعلام، وشكل التصوير، وطريقة أداء الوزراء، والنفس البطريركي الذي يشتمل عليه خطابهم، والذي اعتقدوا أنه من الممكن أن يكسبهم مزيدا من القبول والشعبية لدى الشارع.
كل هذه التفاصيل الكثيرة التي غرقنا بها، والمصطلحات الجديدة التي داهمتنا، اسهمت في أن نعيش وسط دوامات جديدة، أنتجت هموم مهنة لا علاقة لها بالواقع. في الحقيقة، إن كل ذلك حول الإعلام إلى تابع صغير لخطاب الحكومة وإجراءاتها وتصريحاتها، من غير أن يتوقف مليا ليفكر في فحص جدوى ذلك الخطاب، وهل هو واقعي. بينما إجراءات الحكومة وقراراتها ظلت بمنأى عن النقد والتقييم لفترة طويلة من عمر الأزمة.
المفارقة التي لا بد أن يتم تسجيلها كعلامة «أردنية أصلية»، هي أن الأصوات القليلة التي ارتفعت منذ بداية الأزمة منتقدة قرارات وإجراءات وسياسات الحكومة في التعمل مع جائحة كورونا، كان الإعلام أول من تصدى للرد عليها، ولا ندري إن ذلك تطوعا أو غير ذلك. إلا أنه، وبالتأكيد، فإن الدفاع عن السياسات الحكومية لا يمكن أن يدخل في صلب عمل الإعلام!
اليوم، يلزم الإعلام المحلي خريطة طريق واضحة المعالم، من أجل أن يعود إلى صوابه، وأول عمل ينبغي أن يقوم به، هو فحص الروايات الحكومية بكل ما يتصل بهذه الأزمة. لقد كان للإجراءات الاقتصادية النصيب الأكبر من تغطيات الإعلام، ولكنني أستطيع القول إن هناك جوانب مهمة غابت عنه، وأهمها تقييم الإجراءات الصحية، خصوصا ما يتصل منها بإجراءات العزل، والحجر، والاستقصاء الوبائي، وغيرها من القرارات المتصلة.
نحن لا نتمنى أن تكون الحكومة مخطئة في خطواتها التي تتخذها، خصوصا أننا نصدق أنها تعمل من أجلنا. ولكن العمل بلا رقابة يفتح الباب واسعا للأخطاء والاستهانة والركون إلى الكسل.