"كورونا" تغربل العلاقات بين الناس وتمنحهم فرصة لإعادة تقييمها

ربى الرياحي

عمان - حياة تعج بالفوضى تلك التي كانت تعيشها ميس مصطفى، وتحديدا قبل جائحة كورونا، هي وبحكم أنها فتاة اجتماعية تحب المزاح والضحك، كونت الكثير من العلاقات وأحاطت نفسها بأشخاص كانت تعتقد أنهم جديرون بمحبتها ويستحقون أن يكونوا أصدقاءها مدى العمر.اضافة اعلان
لكن ذلك لم يدم طويلا فهي وخلال أزمة كورونا، اكتشفت أن هناك أشخاصا لم يكونوا حقيقيين معها بل جمعتهم فقط بها المصالح. قرارها باستبعادهم عن حياتها والاكتفاء بمن هم أهل للثقة والحب والصداقة، جاء بعد تفكير طويل استغرق كل تلك الفترة الماضية.
ميس أيقنت أن العبرة ليست بالكثرة، بل بصدق الأشخاص الذين تحتاجهم ووفائهم، فعرفت أخيرا أن القلوب الصادقة حتى وإن قلت لا يمكن تعويضها أبدا، لذا رأت أن عليها التمسك بمن تشعر معهم بالأمان والدفء. الأزمة جعلت ميس أقدر على غربلة الناس وتقييمهم ومكنتها من إعادة حساباتها ووضع النقاط على الحروف وإقامة بعض الحدود التي من شأنها أن تحميها.
الأزمات تكشف معادن الناس وتضعهم تحت المجهر، وهذا تماما ما أحدثته جائحة كورونا، إذ إن فترة الحجر المنزلي أعطت الجميع مساحة كافية للتفكير بكل شيء وإعادة ترتيب أماكن الأشخاص في حياتهم.
صعوبة الظروف وقسوتها اقتضت أن يكون هناك غربلة لأناس برعوا في إخفاء حقيقتهم أو ربما أخذوا أكثر من حجمهم في التقدير والاحترام وحتى القرب. هؤلاء كان لا بد من استثنائهم من قائمة المقربين، وفي المقابل هناك أشخاص لم يحصلوا على التقدير الكافي الذي يستحقونه بعد وقوفهم إلى جانب من يحبون وتمسكهم بهم، لذلك كلها أمور أثرت على مسار العلاقات وشكلها وعمقها.
أما نسرين ياسر فهي الأخرى رأت في كورونا بداية لحياة جديدة، تحمل لها الخير والسعادة وراحة البال بعد فترة طويلة قضتها مع الشخص الخطأ؛ قررت أن تنهي علاقتها معه تماما. وتعتبر أن كل ما مرت به لم يكن سوى تجربة علمتها الكثير. تقول "في علاقتنا مع من نحب نأتي على أنفسنا كثيرا نحملها فوق طاقتها ونقسو عليها". وتبين أن الابتعاد الذي أجبرت عليه بسبب انتشار فيروس كورونا وفرض الحجر المنزلي جاء في مصلحتها فهي كانت بحاجة لذلك الوقت لكي تستعيد قدرتها على المواجهة واتخاذ القرارات المناسبة في حق كل ما هو عالق في حياتها.
نسرين فهمت جيدا أن التخلي عن بعض العلاقات هو فرصة لترميم الروح والحد من الأحزان، بالإضافة إلى أن ذلك يجعلنا نلتفت لكل ما من شأنه أن يسعدنا ويقوينا ويزيد من ثقتنا بأنفسنا. وتؤكد على أن هناك علاقات كفيلة بأن تغربنا عن ذواتنا وتبقينا سجناء للألم والكآبة على عكس علاقات أخرى قد تضيف لنا وتجعل لحياتنا معنى آخر بوجودها.
ويرى الأخصائي النفسي الدكتور موسى مطارنة أن الناس في الشدائد تظهر معادنهم الحقيقية، وبالتالي في أي مجتمع يزيد الترابط في حال وجود عدو خارجي أو مرض معين أو خطر ما، والأصل في المجتمع النقي هو تكاتف الجميع لمواجهة الأزمات بمحبة وإعانة بعضهم البعض.
ويوضح أن العلاقات الاجتماعية الحقيقية كافية لأن تلقي ظلالا من الهدوء والطمأنينة داخل البناء المجتمعي المتجانس المترابط، لكن هناك بعض العلاقات التي تطغى فيها القيمة المادية على القيمة الأخلاقية، وهذا بالتأكيد له تأثير خطير على عمق العلاقات وتماسك المجتمع. يقول في ظل أزمة كورونا كان هناك فرصة لغربة العلاقات والتمييز بين الأشخاص الذين يتعاملون بمشاعر صادقة وطيبة وأخلاق لكون الأصالة هي سمتهم البارزة، وبين أولئك الذين يتخذون من الهشاشة والسطحية والمنفعة المادية عنوانا لتعاملاتهم مع الآخرين.
ويؤكد مطارنة أن الأوقات الصعبة كفيلة بأن تبعد أناسا وتقرب آخرين، بالإضافة إلى أهمية ذلك في فهم طبائع الناس وتكوين صورة واضحة عن شخصياتهم وعلى هذا الأساس يتم التقييم الحقيقي الذي من شأنه أن يقضي بإقامة الحدود ليستطيع الجميع أن يحموا أنفسهم من الأذى أيا كان.
ويقول الأخصائي الاجتماعي محمد جريبيع من المعروف أن العلاقات في المجتمع الأردني تقوم أساسا على روابط الدم والمصاهرة والصداقة والزمالة وهذه العلاقات تتفاعل نتيجة لديناميكية المجتمع، وهي بحاجة إلى وقفات أو محطات لتقويها أو حتى تضعفها.
ويضيف جريبيع أنه بالسنوات الأخيرة بات من الملاحظ أن علاقات الصداقة والزمالة أصبحت أقوى وربما تفوق أحيانا علاقات القرابة، لافتا إلى أن تأثر الجميع بجائحة كورونا كان له دور كبير في أن تكون العلاقات ملفتة للنظر بين الناس وذلك نتيجة للظرف الصحي الذي مر به المجتمع الأردني، الأمر الذي أدى إلى زيادة الترابط والتواصل حتى وإن كان التواصل عن بعد فكانت العلاقات قوية وزادت قوة خلال الحظر لكونها قائمة على التعاطف والتكامل والسؤال والاطمئنان.
ويبين جريبيع أن جائحة كورونا كانت بمثابة الاختبار وعامل قوي لإعادة النظر في العلاقات الاجتماعية مرور الجميع بهذه الأزمة الصعبة أشعرهم حتما بأهمية العلاقات الاجتماعية وضرورة غربلتها والاكتفاء فقط بمن يستحق وأهل للمحبة والثقة.