كوفيد 19 وصدمة الوعي

أنشأت عمليات الإغراق الإعلامي حالة من الخوف والهلع؛ ما أدى إلى الضغط على المؤسسات التموينية، والشعور بالعيب بالنسبة للمصابين، وكان ولا زال ممكنا تجنب ذلك. سوف تمر الأزمة، وسوف يصاب بالمرض عدد كبير من الناس.. معظم المصابين لن يعرف عنهم أحد، ومعظم الذين يذهبون إلى المستشفيات يشفون.. كل ما نحتاج إليه أن تكون الفرق والمؤسسات الصحية قادرة على تفويج المصابين وتقييم حالتهم بحيث يكون في المستشفيات الذين يحتاجون إلى ذلك، وإذا استطعنا أن يكون عدد المقيمين في المستشفيات ضمن قدراتها الاستيعابية فسوف نكون قادرين على إدارة الأزمة، ولأجل ذلك نحتاج أن نكثف العمل الطبي في المراكز والأحياء والبلدات، بحيث يكون لدينا قاعدة بيانات كفؤة، يعتمد ذلك على فرق ميدانية واسعة ومنتشرة وعمليات فحص شاملة وسريعة.اضافة اعلان
لكننا كما العالم أيضا سوف نخرج بوعي جديد، ودروس جديدة، لن نظل كما كنا قبل الأزمة، فقد ظهرت مؤشرات قوية لا يمكن تجاهلها. لقد أدركنا بوضوح حجم الأعمال والمؤسسات الوهمية وما يمكن الاستغناء عنه إلى الأبد من أعمال ومؤسسات، وربما تظل هذه الأعمال والمؤسسات والمنظومات الاقتصادية والاجتماعية تطحن الماء ونعيد تنشيطها، لكن ذلك لن يغير من وعي الناس الجديد بأنها يمكن الاستغناء عنها، وسوف يتساءل كل مواطن (يفترض) ماذا نحتاج إليه وماذا لا نحتاج أو يمكن الاستغناء عنه؟ وماذا يمكن أن نحقق من أهداف وأولويات بأقل كلفة أو ببدائل كانت مؤجلة أو متجاهلة؟ وإذا لم تتشكل صدمة كبرى في الوعي والادراك حول الطفيليات الاقتصادية والاجتماعية والمؤسسية فهذا يعني أننا جميعا شركاء في الوهم وأننا جميعا نتستر عليه ونتظاهر بعدم معرفته.. أو أننا تركنا أنفسنا تنخدع.
واكتشفنا أن ما هو أسوأ من الوباء وأشد خطرا الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية، والاعتمادية في النسيج الوطني والاجتماعي والتعليمي، وضعف التنظيم الاجتماعي وعمليات المشاركة العامة والاقتصادية والاجتماعية، وأسوأ من ذلك ما زلنا نعتقد أنها قيم تعمل بالنداء والحشد والفزعة، صحيح أنها قيم لكنها في الأساس مهارات، وعلى نحو عام فإن القيم ليست مستقلة عن المهارات العامة والحياتية والمعرفية، ليس ثمة قيم بلا قاعدة واسعة وغالبة من المهارات، وهذه المهارات تتشكل في منظومة واسعة ومتراكمة من الأعمال والتنشئة والممارسات والمراجعات الطويلة والمتواصلة.
لا يمكن حظر التجول ولا تعطيل الأعمال في مجتمعات واقتصادات متطورة ومعقدة، فالحكومة والشركات لا تملك القدرة على إدارة حياة واحتياجات الناس اليومية، ولا تتحمل كلفة ومتطلبات تعطيل الأعمال والأسواق. ولا يمكن ضمان الالتزام بالسلامة إلا بمواطنين أحرار وشركاء في المسؤولية والولاية. ما يطبق عندنا إذا نجح بالفعل فهذا يعني عمليات اقتصادية واجتماعية محدودة، وعزلة عن العالم، في الأسكيمو مثلا أسلوب الحياة يقتضي اختفاء الناس نهائيا تحت الأرض لمدة 6 أشهر في مستوطنات معدة عميقا في الأرض تحت الثلج ويتوقف الناس نهائيا عن العمل والانتقال من مكان إلى آخر ويعيشون على ما يجمعونه من طعام ومونة في الشهور الست الأخرى (الصيف).. وهذا ليس سيئا لكنه ليس نحن. لكن المونة (التطبيق الشبكي) حتى تعمل في بيئة غير الاسكيمو تحتاج إلى بيئة واسعة ومعقدة من الثقة والإتقان والتنظيم الاقتصادي والاجتماعي والأخلاقي.
صحيح أننا في مواجهة وباء يستدعي النفير العام، لكنها سياسات وعمليات لا تنجح إلا في طل مشاركة عامة، فمهارات وقيم المسؤولية والالتزام لا تأتي في يوم وليلة ولا تنشئها إعلانات وأغانٍ شعارات وطنية، لكنها محصلة منظومة اقتصادية سياسية اجتماعية متراكمة وراسخة قائمة على المشاركة الكاملة والمدن والمجتمعات الحرة والمستقلة. وإذا نجحت بالفعل عمليات وسياسات الحجر اعتمادا على سيطرة تنظيمية مؤسسية وليس بسبب وعي المواطنين والتزامهم الطوعي ومسؤوليتهم الذاتية فذلك يؤشر إلى هشاشة اقتصادية واجتماعية واعتمادية اقتصادية.