كوندوليزا رايس في عمان.. حاملة راية الإصلاح

 قبل زيارتها إلى المنطقة، أعلنت وزيرة الخارجية الأميركية بمنتهى الصراحة، أنها جاءت تحمل "راية الديمقراطية". وعلى أهمية العنوان الثاني للزيارة "عملية التسوية"، إلا أن أحدا لم يعد مهتما به في ظل حكومة شارون وجدارها العازل، بينما لا يمكن تجاهل الاهتمام بالإصلاح والديمقراطية. حتى أيمن الظواهري، الرجل الثاني في تنظيم القاعدة، استبق زيارتها، ودخل على خط الحوار حول الإصلاح، ليس لأن أميركا جادة في برنامج الإصلاح، ولكن لأنه برنامج قابل للتحقيق، قياسا على برنامج التسوية المستحيلة.

اضافة اعلان

في الأردن، تأتي رايس وقد تصاعد الجدل حول برنامج الإصلاح. وقد كانت الضيفة الأميركية حاضرة في السجالات النيابية والصحفية، وأقحم اسمها بالحق والباطل. وهي مثل أي مسؤول  أميركي، يتعامل معه باستقطاب حاد، بين من يرى فيها شيطانا يحمل الشر المطلق، ولو تحدث عن الديمقراطية، وبين من يرى فيها نبيا حاملا الهدى من عند من لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، حتى لو تواطأ مع جرائم شارون، وارتكب ما ارتكب في العراق وأفغانستان.

رايس تعلم جيدا أن الأردنيين ليسوا منسلخين عن أمتهم، ليس في فلسطين فقط، وإنما يعنيهم ما يجري في غوانتنامو وباغرام والقائم وحديثة... تماما كما يعنيهم ما يحدث في عمان. وفي عصر الانفتاح الإعلامي، يدرك الأردنيون أن ما خصصته الإدارة الأميركية لتوسيع سجن غوانتنامو  (30 مليون دولار)، يشكل زهاء نصف ما خصصته لنشر الديمقراطية، من خلال الشراكة الأميركية-الشرق أوسطية، لهذا العام. وفي الوقت الذي نسي فيه الناس مبادرة الشراكة، يحضر في ذهنهم بقوة، الآتي: عمليات القوات الأميركية وحلفائها في العراق، والإعلان عن توسيع سجن غوانتنامو بعد أخبار تدنيس القرآن الكريم فيه. وعلى صلة، ما يقوم به شارون، خصوصا الجدار العازل.

بعيدا عن ذلك كله، ما مدى التزام الولايات المتحدة بما طرحت في مبادرة الشراكة؟ وما مدى تجاوب الجانب الشعبي والرسمي معها؟

للتذكير، آتيا بعض ما في المبادرة: "تدعم الولايات المتحدة الاصلاحيين وجهودهم لبسط الحرية والديمقراطية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، من خلال مبادرة الشراكة الشرق أوسطية، التي تعمل مع منظمات المجتمع المدني وحكومات لاقامة روابط نشطة مفتوحة، تعتبر أساسية للاصلاح الديمقراطي".

أما برامج الشراكة فأبرزها:

"الديمقراطية والمجتمع المدني:

- تعزيز الأحزاب السياسية، كونها جزءاً حيوياً من الحكم المتجاوب، وذلك من خلال تدريب مرشحين سياسيين على مهارات الدعوة للقضايا والقيادة؛

- الترويج لوسائل إعلام تتسم بالاستقلال والمسؤولية، عن طريق تعزيز المعايير المهنية والمساءلة؛

- متابعة المسائلة التشريعية والاشراف البرلماني، من خلال شحذ مهارات ومعرفة اعضاء المجالس التشريعية المحلية؛

- توطيد سيادة القانون، من خلال برامج قضائية حول المعايير الأخلاقية، واجراءات قضائية شفافة وجديرة بالثقة".

وإذا كان كثير من الرسميين العرب التقط الرسالة الأميركية وتجاوب معها قبولا، ولو على مضض، أو قبولا ظاهريا ورفضا باطنيا، فإن القيادات الشعبية تعاملت مع الرسالة الأميركية بريبة لا تقل عن الرسميين، بل كانت أجرأ في رفضها أحيانا.

الأحزاب الأردنية التي تريد المبادرة "تعزيزها"، تعاملت بجفاء واضح، إلى درجة أن أكبر الأحزاب "جبهة العمل الإسلامي" رفض الحوار مع السفارة الأميركية. أما مجلس النواب المراد شحذ مهاراته، فلم يكن أحسن حالا؛ ففي جلسة نواب حجب الثقة، وجلهم من التقليديين، هوجمت برامج الإصلاح الأميركية، وذُكرت رايس بالاسم، وأخرجت قناة "الحرة" من الجلسة.

مع ذلك، على رايس أن تعيد قراءة الاستطلاع الذي أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، بالتعاون مع عدد من المراكز العربية، حول العلاقة مع الولايات المتحدة. فالاستطلاع يظهر إعجابا بالنظام الديمقراطي الاميركي بقدر ما يظهر غضبا على سياستها  الخارجية. وهذا هو الموقف الحقيقي لأكثرية النخب العربية، لكن مع ذلك لن تجد رايس من يشيد بالدور الذي لعبته الولايات المتحدة في زعزعة الاستبداد في المنطقة، من خلال رفع الغطاء السياسي عنه.

لماذا الجفاء والريبة، حتى من خارج دائرة التيار الإسلامي؟ النخب السياسية الأردنية لديها سبب آخر إضافي، مع اهتمامهم أيضا بما يجري في العراق وأفغانستان. باختصار، مخاوف جدية على هوية الدولة الأردنية؛ أي أن تكون نتيجة الإصلاح الأميركي تغييرا في هوية الدولة الأردنية.

سيكون مناسبا لو أعلنت رايس أنها تشجع الإصلاح في الأردن، وإن نتيجته لن تكون دولة فلسطينية في الأردن، وأن عاصمة الفلسطينيين هي القدس لا عمان. فهل يمكن لرايس أن تقول ذلك؟ المأمول أن تفعلها. وإن لم ترد إغضاب شارون، يكفي أن تقول أن الإصلاح الذي تشجعه بلادها لا يعني تغيير هوية الدولة الأردنية.