من الجدير أن يبقى المراقب متذكراً للشائعة التي راجت نهاية العام الماضي، 2013، بأنّ خمسين غرفة حُجزت في فنادق القدس من أجل الفريق الذي سيرافق وزير الخارجية الأميركي جون كيري، لوضع اللمسات النهائية، أو المضي في مفاوضات ماراثونية، تنتهي بانطلاقة جديدة لعملية التسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وها قد مضى عام على تلك القصة التي وردت في صحف إسرائيلية وعربية رئيسة. والآن، يسأَل ويتابع الإعلام ذاته أنباءً عن “مبادرة” جديدة سيطرحها الوزير الأميركي عقب انتهاء انتخابات الكونغرس الجزئية اليوم الثلاثاء.
الطريف أنّ المدقق في الأخبار، يجد أنّ الحديث عن “مبادرة محادثات”؛ أي عن مبادرة تؤدي لمحادثات، وليس أبداً وضع تصور لحل سياسي.
إذا بدا أن قصة الغرف الخمسين، كانت على الأغلب إشاعة؛ سواء كان لها أساس ما، ورُوجت لهدف معين، أو كانت من دون أساس، فإنّ بعض ما قاله كيري بحماسة شديدة، اتضح أنّه لا يقل وهميّة عن مثل هذه الإشاعة؛ من مثل مبادرة “كسر الجمود” التي روّج لها في البحر الميت منتصف العام الماضي، ووصفها هو بأنّها “تحويلية” (أي تغير المشهد جذريّا) بما تتضمنه من مليارات الدولارات التي ستأتي للفلسطينيين على شكل استثمارات. وأُهرقت الأقلام تتحدث عن المبادرة، والبعض وصفها بالرشوة. والطريف أنّ الإعلام وقتها كان يتداول خبرا، نقلا عن “مصدر فلسطيني مطلع”، نصّه “أن وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، عرض على الرئيس محمود عباس، “مبادرة” تقضي بأن “تقدم إسرائيل بوادر حسن نوايا من أجل العودة إلى مفاوضات السلام”؛ أي نفس ما يقال اليوم. واتضح أنّ كيري ووفده للبحر الميت لم يقدما رشوة ولا سواها، بل مجرد كذبة جديدة، مع أنّ الوزير ووفده ربما حجزا هذه المرة بالفعل 50 غرفة فندقية.
هناك من يتوقف عند أخبار عن مسؤول أميركي اتهم رئيس وزراء الاحتلال بأنّه “جبان” ووصفه بالقذارة، قبل أن يعتذر جون كيري عن ذلك، وينأى بنفسه عن كلمات المسؤول المجهول الذي تحدث لكاتب عمود في مجلة “ذي أتلانتيك”. ويتوقع البعض أنّه في مثل هذا الجو من الممكن ألا يستخدم الأميركيون حق النقض “الفيتو” في مجلس الأمن لصالح الإسرائيليين، إذا ما قدّم الفلسطينيون قرارهم المرتقب لطلب تحديد موعد نهاية الاحتلال. ومثل هذا التوقع لا يعدو كونه فكرا “رغائبيا” واهما، لأنّ مسألة التصويت الأميركي في الشأن الإسرائيلي في مجلس الأمن ليست مجرد سياسة متبعة من قبل الإدارات الأميركية، بل هناك وعود رسمية مقدمة ومعلنة من قبل الأميركيين للإسرائيليين بشأن منع تناول بحث الشأن الفلسطيني الإسرائيلي قدر الإمكان في الأمم المتحدة، خصوصاً القدس. وعندما لا ينجح الأمر، يتم العمل على منع إدانة الإسرائيليين. والأميركيون يحترمون الوعد إذا كان خاصّاً بالإسرائيليين.
لا يوجد أي سبب لتوقع أي شيء ذي معنى سيحدث قريباً، خاصةّ أن زخم ما يحصل لا يصل أبداً حتى محطات فاشلة سابقة؛ بدءاً من مؤتمر مدريد، إلى الرباعية الدولية، إلى أنابوليس. وحالة التفاؤل التي سادت قليلا عندما جاء باراك أوباما للبيت الأبيض، ثم عندما جاء جون كيري للخارجية، تبخرت؛ فيما تستمر المستوطنات وإجراءات التضييق على حياة الفلسطينيين، ومنعهم من البناء، وتقييد حركتهم، وقتلهم جملة في غزة وأفراداً في الضفة الغربية، وتواصل عمليات الاعتقال الإداري والاعتقالات عموماً. وهذه هي الإجراءات التي لها معنى حقيقي، وهي التي لا تترك خياراً إلا الصدامات التي رأيناها ونراها في القدس.
المُشاهد لما يحدث في المفاوضات، يلحظ كيف يتحول الخطاب من الحديث عن مبادرة للتسوية، إلى نقاش مبادرة لإعادة المحادثات. والذي يلحظ الخطاب الإسرائيلي بشأن القدس، يلحظ خطاباً متحولاً جديداً يتم تسويقه (ربما بنعومة ونجاح دوليّاً، تماماً كتسويق خطاب يهودية الدولة) عن “صلاة” المسلمين (الفلسطينيين) في المسجد الأقصى، وحق “الزوّار” اليهود في زيارة “جيل الهيكل”، وعن انتهاك الفلسطينيين لحقوق “الزوّار”.
في مثل هذا المشهد، فإن الحديث عن مبادرة جديدة يطرحها كيري بشأن المفاوضات، بدلا من مواجهة نتنياهو حقاً، لا يعدو كونه قنابل دخانية جديدة، أطلق الوزير شبيها لها في الماضي، وهي تُطلق وتخبّئ الهجوم الإسرائيلي الاستيطاني والتهويدي.
الهدف النهائي لاستمرار المفاوضات ، إلحاق الهزيمة بالمفاوض الفلسطيني.
كل ما تريده ، وتحاول واشنطن فعله مع الفلسطينيين ، وما تبحث عنه ، لا يتعدى كونه محاولات إيصال الفلسطينيين إلى اقرب نقطة ، أو مرحلة من مراحل اليأس ، والاستسلام ، والقنوط …………… وذلك من خلال محاولة فرض الأمر الواقع على الفلسطينيين ، أو إلزام الفلسطينيين ، بالرضوخ للأمر الواقع ، والذي ينسجم ، ويتلاءم ، ويتناغم ، مع أوامر ، وتعليمات عصابات الإرهاب الصهيوني …………. وذلك من خلال استمرار شن الحروب العدوانية ، المتتالية ، والمتكررة ، واستمرار ممارسة ، وارتكاب أفظع الجرائم ، والمجاز ، ضد أبناء الشعب الفلسطيني ، وخاصة ضد أهالي قطاع غزة …………….. وبتنسيق ، وتعاون دولي ، وإقليمي ، إرهابي ، لا يشك عاقل في أهدافه ، ومراميه القذرة ، والخبيثة …………….. وليس بالضرورة ، أن تكون تلك المحاولات موجهة لأبناء الشعب الفلسطيني مباشرة ، بل من خلال سلطة عباس ، أو سلطة رام الله ، ………….. وكذلك من خلال التعاون ، والتنسيق مع جهات ، وأطراف دولية ، وإقليمية ، معروفة الأدوار …………… حيث أن إصرار واشنطن على إعادة عباس ، أو سلطة رام الله ، إلى مسار المفاوضات ، ليست سوى أداة ، أو أسلوب من الأساليب التي يتم استخدامها ، وتسخيرها من اجل كسب مزيد من الوقت ، وحسب البرامج ، والجداول الزمنية المعدة سلفا ، أو مقدما ، أو مسبقا مع سبق الإصرار ، والترصد ، من قبل واشنطن ، والعدو الصهيوني ، لتنفيذ المخططات ، والمؤامرات الدولية ، والإقليمية المرسومة ، والتي تهدف إلى عدم تحقيق أدنى المطالب ، أو الحقوق المشروعة ، لأبناء الشعب الفلسطيني .
الرأسمالية وإسرائيل
تعتبر إسرائيل منجم معادن نادرة للرأسمالية العالمية لأكثر من سبب: أولا تبقي مصانع السلاح الغربية عاملة بأقصى قدرتها، ثانيا تبقي النفط العربي خارج السياسة، ثالثا تبقي فائض المال العربي بيد الغرب وليس فقط بمصارفه’ رابعا تبقي العرب يتوسلون للغرب لحمايتهم من صولات إسرائيل وجولاتها وتهديداتها, تاسع عشر، بالإشارة لأوسلو وبلوغها العشرين من العمر، تبقي اليهود بعيدين عن الغرب مكانيا ، وهذه وحدها كافية أن لا تشجع أي مسؤول غربي على مناصرة الحق الفلسطيني في السيطرة على أي مساحة من فلسطين بغض النظر عن حجمها، المساحة هنا رمز للوجود الذي لايريدونه ليبقى الأمن والأمان المستقبلي لهذه الدولة المسخ جاذبا لهجرة يهود العالم لفلسطين وليس العكس في حال تمكن البعبع الفلسطيني من تثبيت حتى أصبع قدم في فلسطين. ومع كل ذلك نبقى نتتبع رحلات كيري التي لاتساوى بنزين الطائرة التي تحمله. عجبي………….