كيف أثار انفجار بيروت غضب اللبنانيين من الساسة

لبنانيون يحتجون على سياسات حكومتهم وسط الدمار في بيروت - (أرشيفية)
لبنانيون يحتجون على سياسات حكومتهم وسط الدمار في بيروت - (أرشيفية)
ترجمة: علاء الدين أبو زينة بيليزي بورتر* - (ذا نيو ستيتسمان) 11/8/202 استقالت الحكومة اللبنانية في أعقاب الانفجار الذي ضرب مرفأ بيروت؛ حيث أدت سنوات من سوء الإدارة إلى قلب حياة الناس -ومنازلهم- رأساً على عقب. * * * على الأرض، في بيروت يجلب الانفجار الذي ضرب بيروت معنى جديدًا تمامًا لمصطلح "عدوان جزئي"، هكذا كنتُ أفكر بينما أنفض الغبار عن ملابسي المخططة المعلقة على حبل الغسيل، وأزيل شظايا الزجاج عن مرتبة رفيقتي في السكن. أدى الانفجار الهائل الذي هز بيروت بعد السادسة من مساء الرابع من آب (أغسطس) إلى خسائر فاقت قيمتها ثلاثة مليارات دولار، بحسب التقديرات الرسمية. ونتج الدمار عن تفجير 2.750 طنًا من نترات الأمونيوم شديدة الانفجار، التي كان قد تم تخزينها بطريقة غير صحيحة في ميناء العاصمة اللبنانية، بعلم كبار المسؤولين، منذ العام 2013. وقد استقالت الحكومة اللبنانية ليلة الاثنين، بعد مرور أقل من أسبوع على حدوث الانفجار، وسط غضب من استجابتها الباهتة للكارثة: ففي غياب كامل لجهود الدولة بشأن إزالة الحطام، خرج متطوعون ومجموعات شبابية بالمكانس لجمع الأنقاض بدلاً منها. ومع ذلك، فإن رحيل الحكومة -مع بقاء الوزراء بصلاحيات تصريف الأعمال، التي تحد من قدرتهم على اتخاذ القرارات أو إنجاز الكثير- لن يسرِّع قدوم الإصلاحات اللازمة لحياة المواطنين. في الشوارع التي تبعد أكثر من كيلومتر عن موقع الانفجار، تضررت كل شقة. واهتزت الصور العائلية، والتذكارات، والأثاث والممتلكات الشخصية مثل الخرز المكسور. وتفرّقت المجتمعات التي كانت منضفرة. كانت الخسائر البشرية الناجمة عن الانفجار هائلة، ويبلغ عدد القتلى حتى كتابة هذه السطور 220، بحسب محافظ بيروت، بالإضافة إلى 6.000 جريح على الأقل. وبالنسبة لأولئك الذين نجوا، حتى الأضرار الصغيرة نسبيًا تظل تشكل ضربة عميقة للكرامة، مع انفجار الجدران والنوافذ والأبواب وتحطمها، وجعل المساحات الحميمة مكشوفة للعالم. إلياس حصواني، 22 سنة، طالب بكالوريا لآلة البيانو في المعهد الوطني العالي للموسيقى في لبنان. وعندما رأى كيف ضرب حطام الزجاج البيانو الكبير في منزل عائلته شرق بيروت، شعر بأن ذلك شكل له إهانة شخصية. قال حصواني، الذي نجا من الإصابة الجسدية لأنه كان يزور صديقًا في وقت الانفجار: "شعرت أنني لا أملك السيطرة على الأشياء، وشعرت بأنني انتهكت. الموسيقى هي شغفي -إنها تعني لي الكثير على المستوى الشخصي العميق. على الرغم من أنني لم أصب بأذى من الانفجار، فقد أصيبت آلتي الموسيقية". ووصف أحد سكان حي الجميزة، وهو من بين المناطق الأكثر تضررًا، كيف كُشفت أشياؤه الخاصة والحميمة عندما جاء الأصدقاء والمتطوعون للمساعدة على تنظيف شقته المنكوبة. وقال الساكن الذي طلب عدم الكشف عن هويته لأسباب تتعلق بالخصوصية: "حاولت التستر على أشيائي، ولكن بمجرد أن اكتُشفت، حاولت تقبل المسألة والاستعانة بالمرح، ولو أن ذلك كان مع بعض الإحراج". ليس الأمر أن مثل هذه الغزوات للخصوصية - التي تبقى صغيرة، مقارنة بالخسائر في الأرواح- كانت مغيِّرة للحياة. إن الأمر يتعلق بكونها اعتداءات صغيرة إضافية أخرى على حيوات متعبة ومتوترة مسبقاً بفعل سنوات من التردد السياسي وانعدام الأمن وغياب خدمات الدولة. على مدى عقود، عاش الناس في لبنان مع انقطاع التيار الكهربائي يوميًا، وتراكم القمامة في شوارعهم واستخدام إنترنت بسرعة جليدية -كل ذلك بسبب الفساد وسوء الإدارة السياسية والاقتصادية وإخفاقات الحكومات المتعاقبة في التخطيط طويل الأمد. وحتى قبل قدوم جائحة فيروس كورونا وانفجار الأسبوع الماضي، كان البلد يعاني من انهيار اقتصادي غير مسبوق: فقدت العملة 80 في المائة من قيمتها مقابل الدولار الأميركي، ما جعل من الصعب جداً تحمل أسعار السلع الأساسية في البلد المعتمد على الاستيراد. وتسببت الأزمة المالية في خسارة مئات الآلاف من الوظائف وإفلاس الكثير من الأعمال التجارية نتيجة لسوء الإدارة الاقتصادية على المدى الطويل، التي يلقي خبراء السياسة باللوم فيها على البنك المركزي والمؤسسات المالية وسياسة الحكومة. والآن، يُشتبه على نطاق واسع بأن عدم كفاءة الدولة كان وراء الانفجار: تظهر الوثائق المسربة أن كبار المسؤولين كانوا يعرفون مخاطر تخزين مخزونات نترات الأمونيوم الكبيرة بالقرب من وسط المدينة، لكنهم فشلوا في العمل على التخلص منها. بالنسبة للبعض، مثل جويل بصّول، فإن هذا السياق يعني أن الضرر الذي يلحق بالممتلكات التي تم جمعها على مدى العمر كله ليس فقط "يكسر القلب"، ولكنه أيضًا رمز لظلم أعمق. وتقول بصّول، التي نشأت في بيروت وتعمل مع إحدى منظمات حقوق الإنسان: "لقد عملت بجد، وكان لدي قرض عقاري لمدة عشر سنوات حتى أتمكن من امتلاك شقة". وهي تشعر بخيبة أمل، على سبيل المثال، من مساهمات السلطات في جهود التنظيف وإزالة الأنقاض. وتقول: "منذ حدث هذا، من الذي كان ينظف؟ من قام بإزالة الأنقاض؟ المراهقون والمتطوعون الشباب. هذا محير للعقل. إنني أدفع مئات عدة من الدولارات سنويًا كضرائب، من أجل ماذا؟". ما يزال من غير المؤكد إلى أين ستؤدي هذه المظالم والأحزان بلبنان، لكن تزايد عدم الاستقرار يشكل مصدر قلق واسع النطاق. تظاهر الآلاف في بيروت نهاية الأسبوع الماضي مطالبين باستقالة الحكومة. وتحولت المواجهات إلى عنف: قُتل ضابط شرطة، وضرب جنود الجيش باحثًا يعمل مع منظمة "هيومن رايتس ووتش" وأصيب المئات بجروح عندما أطلقت قوات الأمن الرصاص المطاطي وكريات الخردُق والغاز المسيل للدموع على الحشود. وتقول مها يحيى، مديرة مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت: "يشكل العنف المتصاعد مصدر قلق، بطبيعة الحال، لأن قوى الأمن الداخلي والجيش اللبناني يتعرضان لضغوط هائلة: فمثل بقية اللبنانيين، شهد هؤلاء أيضًا مداخيلهم وهي تتدهور تمامًا، وهم الآن يتعرضون لضغوط متزايدة للقيام بقمع مواطنيهم. وليس كلهم سعداء بذلك. يمكن أن يذهب الأمر في أي من الاتجاهين: يمكن أن يصبحوا أكثر وحشية، أو يمكنك أن ترى المزيد والمزيد من الناس وهم يستسلمون". أعاد الانفجار إشعال الاحتجاجات التي كانت قد بدأت في تشرين الثاني (أكتوبر) 2019: في ذلك الوقت، كان الناس يطالبون باستقالة المسؤولين وإصلاح النظام عندما اقترح الوزراء زيادات ضريبية على الرغم من تدهور الاقتصاد. والآن، ما يزال الناس يطالبون بالتغيير السياسي، لكن البعض يضيف المطالبة بإعدام النخبة السياسية. ما يزال من غير الواضح ما إذا كانت السلطات ستسمح بإجراء تحقيق دولي مستقل في الكارثة، على الرغم من أن هذا هو ما يدعو إليه المراقبون ومراقبو حقوق الإنسان على نطاق واسع. في هذه الأثناء، كما هو الحال في آلاف المنازل الأخرى في جميع أنحاء بيروت، يجري ترميم شقتي بينما أكتب هذه السطور: قام العمال السوريون بإصلاح المراحيض وحضر آخرون لأخذ قياسات النوافذ الجديدة، بعد أن دُمرت الإطارات والألواح السابقة في الانفجار. لأسابيع وأشهر مقبلة، سوف يواصل الناس التقاط شظايا الزجاج من الأفنية وحبال الغسيل وصناديق المجوهرات والطاولات المجاورة للأسرة. وبالنسبة للعديد من اللبنانيين، فإن هذه هي الجروح الصغيرة التي تأتي مع ضربات دائمة أكبر. "الأمر لا يتعلق بالزجاج المكسور أو النوافذ المكسورة"، تابعت جويل بصّول. "إنه يتعلق بمعرفة أن المكان الآمن الوحيد الذي كان لديك؛ المكان الذي وضعت فيه مدخرات حياتك وجنى عملك الشاق، قد تحطم بشكل أساسي، وأصبح يحتاج الآن إلى ترميم". *صحفية مستقلة تكتب الأخبار والقصص الإخبارية عن الشرق الأوسط وتقيم في العاصمة اللبنانية، بيروت. *نشر هذا المقال تحت عنوان: “The only safe place I had is broken”: how Beirut’s blast sparked political furyاضافة اعلان