لو أن أحدهم سألها كيف الحال؟ لما مرّت 3 أيام والسيدة الثمانينية جثة هامدة ومتروكة وحيدة في منزلها.
ولو أن أحدهم اهتم بها قليلا، لأدرك عذاباتها وآلامها ومعاناتها التي لم تشعر بها سوى جدران وشبابيك ظلت تنتظر قدوم شخص ما للاستعلام عن حال السيدة الوحيدة.
ليال مظلمة مرت على المسنة قبل وفاتها وحيدة قبل أيام، من دون أن يكترث بها أحد.. حتى لفظت أنفاسها الأخيرة ودفنت أحلامها التي امتلأت بالصعاب على مدى 80 عاما..
لكم أن تتخيلوا كم كان شعورها بالوحدة والألم والخوف قاسيا وقاتلا، وهي تعيش على هامش الحياة؛ وتختم رحلة حياتها بحزن كبير يتساوى مع آلام عانتها وهي تموت وتغادر العالم وحيدة.
لا أشك أنها انتظرت كثيرا لمنقذ يخرجها من جدران صلبة، جافة وموحشة، هشمت إحساسها بالألفة، وضاعفت من ألمها وشعورها بالعزلة.
وأنا أتخيل حالتها، أيقنت أن الراحلة المسنة كانت بانتظار نظرة أو سؤال من قريب يتفقدها أو صديق أو جار أو أحد من أهل الخير.. كانت بأمسّ الحاجة قبل وفاتها لقوة تحملها إلى باب المنزل، حتى تستنجد بأحد المارة أو الجيران وهي على شفير الموت..
كم كان الوقت طويلا ومؤلما وهي تتمنى في كل لحظة أن يتذكرها أحدهم وأن يطمئن على حالها وأحوالها.. كم كان الانتظار قاسيا وهي تشعر أن الموت سيغافلها وحيدة في مكانها من دون أن يدري أي إنسان بها..
كانت بانتظار بصيص أمل يؤكد لها أن الدنيا بخير قبل أن تغيب حتى لو كانت مثقلة بهمّ العيش وضنكه.. كانت تتمنى في كل لحظة أن يستجاب نداؤها وتلبى أمنياتها ويسمع مناجاتها أحدهم.. لكن عندما ودعتها الحياة، لم يعد هناك ما تتشبث به.
رحلت السيدة الثمانينية ورحلت ذاكرتها المثقلة بالألم والهموم..
تلك القصة المؤلمة حقيقة وليست من نسج الخيال، وتدل على تدني مستوى التواصل الاجتماعي وتلبد المشاعر بين الناس، فنمط الحياة اقتصر على علاقات من الطراز الجديد. يخلو من الدفء والحميمية والمشاعر الصادقة.
قصة السيدة دقت جرسا مدويا، ليوقظ فينا أحاسيس تكاد تخبو وتموت، بعد أن ظلت قلة من الناس يسألون عن أصدقاء وأقارب ومعارف أو جيران، ويتفقدون أحوالهم باستمرار..
اليوم اختلفت استخدامات سؤال كيف حالك؟ فقلة فقط منا يسألون بصدق هذا السؤال بمعناه الحرفي والحقيقي، من دون أن يكون لهذا السؤال مردود أو مصلحة معينة.
المنحى الجديد للعلاقات بين الناس أصبح مشروطا، وقائما على أساس المصالح الشخصية.. والفرد لم يعد يسأل عن الآخر؛ إن لم يكن هناك سبب يستدعي ذلك..
والعلاقات الصادقة بين الناس أصبحت عملة نادرة، وعصر الماديات بات يحكم الأفراد، وصديق الأمس ربما يبتعد اليوم لأن العلاقة انتهت بمجرد انتهاء المصلحة أو المنفعة المطلوبة.
المشكلة تكمن في اختلال المعايير الأخلاقية والاجتماعية، حيث احتل الشخص الانتهازي، موقعا مميزا، فهو من ينظر للأمور بطريقة ذكية ويفهم دهاليز الحياة، وللأسف فإن الناس يتعاملون معه بكل ود واحترام، رغم أنهم يدركون طبيعته المزيفة والقائمة أولا وأخيرا على تحقيق منافع خاصة.
في زمننا المزيف، لا ضير من السؤال عن الآخر، خصوصا وأن السؤال والاكتراث بالآخر لا يكلف شيئا، بل يعيد إلى الحياة بعضا من روحها التي ذبلت في هذا الوقت الجاف والمتصحر.
لو أن أحدا سأل عن حال السيدة الثمانينية لتوفيت وهي مرتاحة، لو أن أحدا اكترث بها واطمأن على أحوالها، لانتقلت إلى الرفيق الأعلى وهي بحالة أفضل وبشعور أقل مرارة واغترابا.
“كيف الحال؟” لن تكلفنا شيئا إن كانت حقا خالية من أي منفعة، فدعونا نقولها بصدق ومن أعماق القلب، حتى نتمكن من تقوية روابط المحبة في علاقاتنا الانسانية، دعونا نروي مشاعرنا التي أصابها الجفاف وسادها الظلام..
النبي محمد ، صلى الله عليه وسلم ، أوصى حتى بسابع جار
مرض اجتماعي رهيب نواجهه كل يوم في هذه الحياة التي اصبحت علاقة الأفراد تحددها المصلحة ، ولا شيء غير المصلحة .فالعلاقات الأسرية اصبحت من الكماليات ، وعملا اختيارا بدلا من واجبا محتما على الجميع ..دعوني أنبه هؤلاء الكبار الذين لا يعبرون كبار السن في العائلة فأنهم يضربون اسؤ الأمثلة لآولادهم ..فالأولاد سوف يقلدون اباؤهم وأمهاتهم، وسوف لن يعتنون بهما عندما يعجزون ، ويصبحون بحاجة الى مساعدة
الأديان السماوية فرضت على الأولاد العناية بكبارهم ، كما حثت على روح الألفة والأخاء والتعاون بين البشر ، وأوصت بسابع جار
كعادتك يا من تكبرين بعدد الأيام وليس بالسنين قياسا الى نضجك وتفكيرك ومعالجة المواضيع الأجتماعية الحساسة ..فاستمري يا ابنتي لأننا نترقب بنهم قرءة مقالاتك الموضوعية
الموت وحيداً
أشعر أن هذا المقال استخدمني كوسادة أغرقني بالدموع.
ولا أذكر أين قرأت أنّ الوحدة تحيل الإنسان إلى وحش. وحش ناطق ولن أقول أننا أصبحنا وحوش نُطّبِق شريعة الغاب .. ولا أود الحديث عن علاقاتنا المهترئة (الفالصو) .. كما أنه ليس في بيتي أن أندب أو أن أشق ثوبي كمداً إزاء ما هو حاصل في علاقاتنا الاجتماعية المضمحلة الأخذة بالتلاشي ، وليس لدي أي مصلحة للتعبير عن رفضي لهذا السلوك البشري المقيت عبر الصراخ أو البكاء .. إلا أن ما أود قوله : ما الذنب الذي اقترفته تلك العجوز-التي انتقلت إلى الكريم- كي تموت واحدة وحيدة دون أن تجد من يأتي لها بشربة ماء أو بنسمة هواء عليلة تطرد ذلك السأم والحزن المعتقد في صدرها ، أو بباقة فرح آنيّ بسيط يزل عن عاتقها ثقل الوحدة ! ودون أن تجد من يُمَسّد شعرها ، أو يفتح زر قميصها عندما تشعر بالاختناق .. دون أن يهدهد لها أحدهم كي تنام قريرة العين والحزن وحيدة..!
الله يرحمها
الجواب في العمل الإجتماعي التطوعي المنظم الذي أساسه المحبة
المناحي الجديدة في حياة الأفراد والجماعات تستوجب وضع البدائل العملية للتعامل مع حالات المسنين الذي ينتهي بعضهم دون اسرة ترعاهم في شيخوختهم.
تجارب العالم تتحدث عن مؤسسات تطوعية تعمل بها فرق الشباب والصبايا بروح من المحبة والعطاء النابع من ثقافة إنسانية تحترم الحياة وكرامة الإنسان.
تجربة الأم تريزا في الهند خير مثال على العطاء والمحبة تجاه المسنين والفقراء والمشردين. وعنوان رسالتها الإنسانية بدأت بأن توفر ميتتة كريمة للمسن والمريض الذي لا يرعاه أحد من ذويه.
فلنعمل من أجل ثقافة إنسانية لمجتمعاتنا جوهرها المحبة الإنسانية كي نقول عبارة "كيف الحال" بصدق واهتمام لكل انسان, شيخ أو سيدة او طفل أو مريض
وكل الإحترام للكاتبة فريهان
الحل ليست مشاعر اخرى
عزيزتي الحسن
المشاعر هي اساس كل فشل اصاب بلادنا!فهي من تدعونا للخوف من كافه انواع مستعبدينا ورهافتها لا تظهر الا لرثاء انفسنا والكابه عليها لدرجه انها افقدتنا الضحك والبوصله!انا اعيش تقريبا بدون مشاعر ومنذ ذلك الحين انا اسعد انسان في العالم
الحل منظومه اجتماعيه للتكافل لا تاخذ بعين الاعتبار رهافه الانسان بل تربيه على القسوه وهذا صدقيني ما سينجيه!
سؤال إلى الكاتبة!
أختي الكاتبة,
تكتبين مقالآ بناءآ على حالة و تسردين فقرات تلو الفقرات عن حالة قد تكوني قد سمعتي عنها أو قرأتي عنها بالجريدة و لكن, أريد أن أطرح عليك سؤال و كان يجب أن يخطر على بالك قبل أن تكتبي مقال
السؤال: هل لديك معلومات دقيقة عن عدد كبار السن الذين يسكنون وحدهم و لا أحد يسأل عليهم!؟ إذا كان الجواب نعم, فأرجو أن تطلعينا على الرقم و النسبة و بعدها لكل حادث حديث, أما إذا كان لا, فأنا أقول لك, من الأفضل لنا أن نعرف حجم المشكلة قبل أن نقول أن هناك مشكلة! و سأعطيكي مثالآ, كل يوم كتاب الأعمدة يقولون أن الطبقة الوسطى إنتهت! و اليوم طلعت دراسة تقول عكس ذلك!
يا جماعة و أيها الإخوة و الأخوات الكتاب, لا يعقل أن نكتب بدون دعم رقمي علمي يساعدنا في فهم أمورنا بطريقة مدروسة و بعيدة عن المشاعر,,,,,ما دفعني إلى تعليقي أنه واحد من اهم الاسباب التي تبقيني في عمان و عدم هروبي من الأردن (حال معظم أصدقائي) هو الوالد و الوالدة و العمة الذين نسكن معهم, مجموع أعمار الثلاثة (أطال الله في عمرهم) يتجاوز المئتين عام….فلا يعقل أن حالة تسبب الذعر بين الناس و ان الوضع سيء. انا لا أقول أن كلامك قد لا يكون صحيحآ, و لكن بتوثيق أن لدينا رقمآ معينآ نستطيع أن نبني عليه أكثر من مجرد حالة و على الأغلب تكون عابرة!
رد الى السلايمية
اخ خالد كلامك معقول ولكن اصبحنا نلمس هذه الظاهرة في مجتمعنا بدرجة واسعة ربما أنت تهتم بوالديك ولكنني اعيش في منطقة شعبية واعرف عددا كبيرا من الامهات والاباء الذين يعيشون في حالة محزنة من اهمال الابناء هل تريد ان تصبح الظاهرة واسعة الانتشار حتى نصبح نصيح انقذوا كبار السن لماذا تطعن في فكرة الكاتبة كلامها صحييح وهي تطلق صيحة للمجتمع على الاقل حتى نتنبه لهذه الظاهرة ولا تصير واسعة الانتشار اتمنى منك التعقل اكثر في كلامك
المصالح والاخلاق الملوثة
مقال رائع يافريهان, تمتعت بالفراءه بشجن ومراراة لما يحصل في واقعنا حالياً الذي تشوبه المصالح القصيرة المدى, واه على الاخلاق التي غمرتها الشوائب…نترقب جديدك عزيزتي فريهان
مقال رقيق
عزيزتي أبكيتني وأنا لا ينقصني بكاء وقلبي هش .. استمري رغم الألم فلعل الذكرى توقظ عتمة ضمائرنا