كيف تتشكل الأفكار المتطرفة؟

من البديهي أن يكون المتطرفون يستندون في سلوكهم ومواقفهم إلى أفكار ومعتقدات ومشاعر متطرفة، لكن السؤال البديهي أيضا هو كيف تشكلت أو تتشكل الأفكار المتطرفة؟ فلا يكفي القول إنها حالة فكرية لأن تشكيل الأفكار ليس حالة معزولة عن بيئتها الاجتماعية الاقتصادية، والتركيز على حالات المتطرفين الأغنياء لنفي العلاقة بين البيئة الاجتماعية والاقتصادية وبين التطرف لا ينفي القاعدة، لأنه وببساطة بيئة الفقر والظلم لا تخص الفقراء والمظلومين وحدهم، لكنها تمتد في تأثيراتها الفكرية والثقافية والسلوكية إلى جميع الطبقات والفئات الاجتماعية والاقتصادية، فالقول إن الفقر مسؤول عن التطرف لا يعني بالضرورة أن الفقراء وحدهم يتجهون إلى التطرف، وبالطبع هناك أمثلة كثيرة جدا للفقراء غير المتطرفين، وكذلك الحال بالنسبة للظلم والتهميش، فالحركات اليسارية، على سبيل المثال، استقطبت عددا كبيرا من الأغنياء والمثقفين للدفاع عن الفقراء والمظلومين، والحركات القومية والتحررية اجتذبت عددا كبيرا من المؤيدين من خارج المنتمين إلى هذه الحركات.

اضافة اعلان

لكن سواء اشتغل المهتمون بالظاهرة بردها إلى فهم النصوص الدينية وتطبيقها أو البيئة الاجتماعية والاقتصادية أو النزعات النفسية أو إلى الاستبداد والفشل السياسي أو بمزجها معا، أو كانوا مخطئين أو مصيبين، فإن حقائق أساسية تظل قائمة وتنشأ حولها أسئلة بديهية وتلقائية، وهي أن هناك حالات من التطرف والعنف المشكلة تهديدا للسلم الاجتماعي وحياة المواطنين. وأن هناك أعدادا كبيرة من المواطنين مستعدة للمشاركة في العنف ضد بلادها ومجتمعاتها وأن هناك عددا أكبر من هؤلاء يؤيد التطرف ويعتبره صوابا.

كيف تتشكل المعتقدات والأفكار التي تدفع الناس إلى تمجيد الموت والقتل؟ وكيف تسيطر على هؤلاء الناس مشاعر القسوة والكراهية والسادية واللامبالاة تجاه الضحايا من الأبرياء؟ وكيف تتحمس فئة من الناس لإثارة الفزع والخوف؟ وإذا كان صحيحا القول إنها حالة لا يفيد في مواجهتها إلا بقدر ضئيل الردّ الفكري والأدلة والبراهين العقلية؛ إذن كيف يمكن فهمها والاشتباك معها؟

قتال العدو فكرة راسخة في أذهان الأمم ويموت من أجلها الناس، وحول هذه الفكرة تتشكل جماعات ومصالح وقوى سياسية واجتماعية وثقافية، وتترك الجماعات نفسها تنخدع أيضا، فتزود نفسها بالتبريرات والمعتقدات لتجعل جرائمها مقبولة، أو تنشئ عواطف قوية ترى في الإرهاب والتطرف وحتى القتل العشوائي للأبرياء والعزل دفاعا عن النفس والدين! ولا يمكن بالطبع إغفال الصعوبات الاقتصادية أو العجز السياسي أو الفشل في تحريك الصراعات الداخلية أو البحث عن أسباب لتخفيف الفشل وألمه وإن كان لا يمكن إغفاله أو تجاهله. وتكون المعتقدات الدينية والقومية حاجة ملحة لأنها تشجع على تحويل الجريمة إلى فضيلة، وتثير عواطف قوية مرتبطة بالتهديدات الصادرة عن قوى خارج الجماعة (الخوف، الغضب، الاشمئزاز، ..) وكذلك العواطف المجزية من داخل الجماعة (الحب، الكبرياء، الفخر، السعادة، ..) وهذا أيضا يجعل الضحايا مثل المجرمين، ويقلل من التعاطف معهم.. إن الأيديولوجيات والقواعد الأخلاقية تجعل القسوة شيئا معتادا في المجتمع حتى تصير سلوكا مقبولا.

ويعاد بناء المعتقدات وترتيبها حسب الأهمية والحاجة إليها، فتعزل الأفكار والمعتقدات المشتركة مع الأعداء والخصوم، وترفع الاعتقادات التي تناقض الأفكار والمثل العليا الأساسية لمن يعارضونهم، بل وتمنح القداسة لمعتقدات لم تكن مهمة، ويمكن، على سبيل المثال، الملاحظة كيف أخذت مفاهيم حديثة لم تكن معروفة من قبل صفة القداسة وأنها فرض عين، مثل الدولة الإسلامية، والولاء والبراء، واستعلاء الإيمان، والمفاصلة الشعورية، أو المبالغة والتوسع في مفاهيم الحسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتركيز على العقوبات، والانتقائية في الفتاوى والتفسيرات والمواقف المتشددة للنصوص الدينية وبعضها بشري منح صفة دينية، لقد منحت القداسة لمعتقدات وأفكار عندما قررت الجماعة أهميتها وحاجتها إليها.