كيف تراجعت الرابطة القانونية؟

إذا كانت ظاهرة الخروج على القانون لا تعكس ضعف السلطة التنفيذية ومؤسساتها؛ إذ يبدو واضحا أنها تعمل بلا تغيير، بل إنها تتطور مؤسسيا، وتزيد مخصصاتها المالية وأعداد المنتسبين إليها، والسلطة والمؤسسات القضائية أيضا تعمل وتتطور بالكفاءة والمنهجية المتبعة منذ تأسيس الدولة الحديثة، والانتخابات النيابية والعامة تجري بانتظام؛ فما تفسير الظاهرة؟ وما الذي حدث أو تغير حتى تنشأ حالات وجيوب وظواهر من الخروج على المجتمعات والقوانين؟ ما الذي يدفع الناس إلى مخالفة القوانين التي كانوا يلتزمونها منذ عقود من الزمان؟ وكيف نشأت جماعات وجيوب من الانفلات القانوني والاجتماعي، وأعمال منظمة للبلطجة والاعتداء على الناس وسرقة السيارات والبيوت والمحلات التجارية .. وأخيرا البنوك؟ ليس هناك خلل مؤسسي واضح أو كبير في عمل المؤسسات والسلطات، وليس هناك أحداث كبرى من الفوضى، ولا يوجد اتجاهات اجتماعية أو سياسية جديدة تشجع على الفوضى والمواجهة مع السلطات؛ حتى في أوج الربيع العربي والتغيرات والأحداث الإقليمية المحيطة لم يحدث ما يمكن وصفه أو اعتباره فوضى أو خروج على القانون. لكن وفي تحولات سريعة لم تفهم بعد على نحو علني واضح أو تقدم تقديما منطقيا أو مقنعا؛ صارت البلاد والمدن والبلدات تشهد حالات وأعمالا وظواهر غير مألوفة وغير مبررة أيضا، السلوك غير الاجتماعي، انتهاك قوانين السير والمرور بفظاظة وتهور غير مسبوق، المخدرات، العنف والشجارات الجماعية، سرقة السيارات، عصابات الخاوة والبلطجة، خدمات اصطفاف السيارات المريبة والفجة، تراجع مستوى النظافة العامة، وتراكم النفايات في الشوارع والساحات، ضعف وتراجع سريع وحاد في خدمات التعليم والصحة وخدمات الجمهور والمواطنين، العنف اللفظي والإساءات والذم والتشهير والإشاعات، الانتحار ومحاولات الانتحار، افتعال الحوادث والشجارات، والشعور بعدم الرضا على نحو عام، وتزايد الإقبال على الهجرة و أو الخروج من البلاد، وتتداول أحاديث واسعة عن خطة ب لدى فئة واسعة من الأغنياء والطبقة الوسطى، للهجرة أو الإقامة أو الاستثمار والتملك خارج البلاد. وبالطبع فإن مناسبة المقالة هي الأحداث الأخيرة التي جرت في مدينة عنجرة في محافظة عجلون، وهي أحداث ليست مفاجئة، وتكررت عدة مرات في السنوات القليلة الماضية، ولم يكن ما حدث سوى لحظة متوقعة أو منتظرة لحالة متراكمة من الفوضى والاحتقان يعرفها ويدركها كل من يعيش في المنطقة أو يعرفها. وعلى أي حال ومهما كان سبب وتفسير الظاهرة، وهي بالطبع لا تقتصر على عنجرة، وحدث مثلها في مناطق أخرى متعددة، وهي متوقعة وممكنة الحدوث في أي مكان وفي أية لحظة فقد حان الوقت لإدارة الحالة أو مراجعتها على نحو مختلف عما يجري، فمن المؤكد أن استمرار الأزمة وتكرار الحوادث يؤشر إلى فشل أو عجز المؤسسات والأدوات المتبعة في مواجهة الأزمة، إن لم تكن سببا للأزمة أو جزءا منها. لقد دخلنا في مرحلة من اللامركزية (يفترض) وحان الوقت أن تتولى مجالس المحافظات والبلدات والقيادات الاجتماعية إدارة وتنظيم المكان والخدمات والعلاقات، وأن يمتلك المواطنون الولاية الفعلية والحقيقية على المؤسسات والاحتياجات والأولويات في بلداتهم ومدنهم، .. وأن يشاركوا أيضا ويتحملوا مسؤولية الأمن وتطبيق وسيادة القانون. ولا بأس بتكرار القول إن القانون رابطة أو عقد بين مكونات الدولة والمجتمعات وليس إخضاعا وقهرا وسيطرة؛ كما هو ليس مجرد عمليات تنفيذية تطبق سواء بالتزام عادل ومنضبط أو متحيز معزولة عن التفاعل الاجتماعي وشبكة العلاقات والمصالح بين المواطنين والأسواق والسلطة.اضافة اعلان