كيف تستطيع أميركا ضرب "داعش" بقوة أكبر وقد ذهبت خلافته؟

رسم لسيف الله سايبوف، الذي شن هجوماً بسيارة في نيويورك مؤخراً -(المصدر)
رسم لسيف الله سايبوف، الذي شن هجوماً بسيارة في نيويورك مؤخراً -(المصدر)

كرشناديف كالامور -
(الأتلانتيك) 3/11/2017
ترجمة: عبد الرحمن الحسيني

أرسل الرئيس ترامب يوم الجمعة قبل الماضي على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" أن "الجيش الأميركي وجه ضربات أشد بكثير إلى ‘داعش’ خلال اليومين الماضيين"، بسبب إعلان المجموعة مسؤوليتها عن الهجوم الإرهابي الذي وقع في نيويورك وأسفر عن مقتل ثمانية أشخاص. وتوعد ترامب بأنهم "سيدفعون ثمناً كبيراً مقابل كل هجوم علينا!".اضافة اعلان
تزامنت هذه التغريدة مع استعادة الجيش السوري لمدينة دير الزور التي تقع قرب الحدود العراقية وحقول النفط المحيطة بها، التي جعلت من المنطقة أصلاً يعتد به لتنظيم "داعش". وأصبحت هذه المجموعة التي سيطرت في العام 2014 على منطقة متصلة في العراق وسورية تقدر مساحتها وفق بعض التقديرات بحجم ولاية تينيسي الأميركية نفسه (أو كوريا الجنوبية) تقريباً، أصبحت تقاتل الآن من أجل بقائها نفسه. وقد خسرت الرقة، عاصمتها المعلنة ذاتياً في سورية؛ وخسرت الموصل، ثاني أكبر المدن العراقية؛ والحويجة، المدينة العراقية التي سيطرت عليها المجموعة طوال ثلاثة أعوام وحتى الشهر الماضي. ومع ذلك، كان ما لم تفقد المجموعة هو القدرة على إلهام أناس حول العالم بارتكاب أعمال إرهابية. ففي أوجها، تمكنت المجموعة من تنفيذ هجمات عالية المستوى في فرنسا وبلجيكا وغيرهما. وما تزال الهجمات تحدث، مع أنها أصبحت أقل انتظاماً -لكن العديد من هذه الهجمات يحمل القليل من العلامات على أن "مركز داعش" كانت له صلة مباشرة بالهجمات، باستثناء إلهام المهاجم بقتل مدنيين.
قال سيف الله سايبوف، الأوزبكي الذي جاء إلى الولايات المتحدة في العام 2010 من خلال فوزه بقرعة تأشيرة التنوع، إنه كان يتصرف نيابة عن "داعش" عندما قاد شاحنته لتدوس مشاة في يوم الثلاثاء الأخير من الشهر الماضي (وأعلن "داعش" مسؤوليته عن الهجوم يوم الجمعة التالي). ويتطبق الشيء نفسه على مهاجم برشلونة الذي استخدم التكتيك نفسه لاستهداف مشاة في آب (أغسطس)، بالإضافة إلى الشخص الذي ارتكب العمل نفسه في لندن في حزيران (يونيو) الماضي. (كتب زميلي، يوري فريدمان، سابقاً عن كيفية استخدام المركبات لتنفيذ هجمات على نحو متكرر، باعتبار أن هذا التكتيك منخفض الكلفة ويعتبر من وسائل الإرهاب الفعالة). وتشير حقيقة أن كيان "الدولة الإسلامية" المركزي في سورية والعراق له لم يرتكب هذه الهجمات مباشرة، وإنما "ألهم" ارتكابها نيابة عنه، إلى أنه حتى لو ألحقت الولايات المتحدة وحلفاؤها وخصومها الذين يقاتلون "داعش" الهزيمة بالمجموعة، فإن ذلك التطور لن يفضي إلى ذهاب الأيديولوجية.
ثم هناك المشكلة الأخرى. لقد أصبح "داعش" محاصراً الآن في قطعة أرض تمتد على الحدود العراقية-السورية؛ حيث تضيّق القوات العراقية من جهة والقوات السورية من جهة أخرى الخناق على المجموعة (مع أن للمجموعة تواجدا نشطا في ليبيا والفلبين، كما تقول التقارير). وقد تمكن الجيش السوري، المدعوم بالطيران الروسي والمقاتلين الإيرانيين، من استعادة دير الزور بسهولة نسبية. وسوف يحول انتباهه قريباً إلى مناطق أخرى يسيطر عليها "داعش". وفي العراق، تمكن الجيش، المدعوم من التحالف الذي تقوده أميركا، من طرد "داعش" إلى خارج البلد. وبهذا المعدل، فإن التحالفات التي تقودها الولايات المتحدة والجيش، السوري المدعوم من روسيا، سوف "تنفد من الأهداف" التي يمكن ضربها، بكلمات ملاحظات وزير الدفاع الأميركي السابق دونالد رامسفيلد عن أفغانستان، بغض النظر عما تقوله تغريدات ترامب.
من جهته، قال الجيش الأميركي إن الطيران الأميركي يقصف أهدافاً لـ"داعش" في العراق وسورية منذ هجوم نيويورك. وقال بيان الجيش إن الإجراء "يحد أكثر من قدرة المجموعة على ممارسة الإرهاب وتنفيذ عمليات خارجية في عموم المنطقة وباقي العالم". لكن من غير الواضح مطلقاً ما إذا كان استخدام الضربات في العراق وسورية للرد على هجوم إرهابي تم تنفيذه في الولايات المتحدة سوف يفضي بالضرورة إلى نتائج. وكان الجيش الفرنسي قد قصف بعد الهجمات في باريس في تشرين الثاني (نوفمبر) 2015 عاصمة "داعش"، الرقة. لكن ذلك القصف لم يوقف هجوم يوم الباستيل في مدينة نيس في العام 2016، والذي أودى بحياة 86 شخصاً عندما قاد المهاجم شاحنته إلى الجمهور الذي كان يحتفل بالذكرى.
في آذار (مارس) 2016، كتب بيتر بيناورت في "الأتلانتيك" أن هجمات "داعش" في الغرب بدأت فقط بعد أن شرعت الولايات المتحدة في استهداف أصول المجموعة في العراق في آب (أغسطس) 2014 من أجل توفير الحماية للأيزيديين. (لا يحاجج بينارت ضد التدخل الإنساني.) وقال إنه "كلما زادت أميركا من تكثيف حربها على ‘داعش’ زاد التنظيم من محالة ضرب الأميركيين. وكلما استطاع التنظيم تنفيذ المزيد من الإرهاب، صعدت أميركا من هجماتها الجوية الضارية ضده، وهكذا تأتي الإصابات في صفوف المدنيين، والتي، وفق نوح بونسي من مجموعة الأزمات الدولية، "ستساعد بشكل كبير رواية مجموعة جهادية مثل الدولة الإسلامية".
يعيدنا هذا إلى تعهد ترامب بأن يدفع داعش "ثمناً كبيراً مقابل كل هجوم علينا!" فمع تبقي القليل من أهداف "داعش"، يصبح من غير الواضح ما الذي تستطيع الولايات المتحدة أو حلفاؤها فعله للحد من قدرة المجموعة الإرهابية على إلهام الأفراد في الغرب وغيره من خلال دعايتها على الإنترنت. قد تستمر القنابل في التساقط في الشرق الأوسط، لكن كل ما يتطلبه الهجوم، كما أظهر هجوم مدينة نيويورك، هو رجل واحد يكون مستعداً لقتل أناس أبرياء من أجل قضيته.

*نشر هذا المقال تحت عنوان: How Can America Hit ISIS “Harder” When the Caliphate Is Gone?