كيف تنمين في طفلك القيم الحميدة؟

كيف تنمين في طفلك القيم الحميدة؟
كيف تنمين في طفلك القيم الحميدة؟

 عمان- يولد كل طفل على الفطرة, ومعه كل الصفات الطيبة التي أودعها الله إياه... هذا الطفل الصغير يخطو أولى خطواته فيتعثر. وينطق أولى حروفه فيتلعثم. ويلتقط أول طعامه فيبعثره. وهنا تتدخل الأسرة لمعاونة طفلها في هذه الأمور العادية الظاهرة والواضحة للعيان والمؤقتة، حيث يتجاوزها الطفل في مراحل نموه، ولكن الأخطر والأهم منها هو ما ليس ظاهراً ولا مؤقتاً في بناء الطفل, وهو القيم والأخلاق والطبائع. فكيف ننمي في أطفالنا القيم الإيجابية من شجاعة وجرأة وصراحة وقدرة على إبداء الرأي واتخاذ القرار وتحمل المسؤولية؟ وكيف نجنبهم القيم السلبية من خجل وانطواء ولا مبالاة وجبن وعدم اعتماد على النفس؟ 

اضافة اعلان

   يرى خبراء التربية أن على الآباء أن يعودوا أطفالهم الاعتماد على النفس منذ عامهم الأول, فإذا تعثر الطفل وهو يمشي فلا تهرعوا لرفعه, بل اتركوه يواجه مشكلته, وعليكم مراقبته من بعيد؛ لأن الرعاية المطلقة والحماية الزائدة من الأهل تسبب حالات مرضية تؤدي إلى وجود أطفال مهما كبروا يفشلون في الاعتماد على أنفسهم.

وتعويد الأطفال الاعتماد على أنفسهم يأتي تدريجياً, فعند تعرض الطفل لأي مشكلة, يجب ألا نعطيه حلولا جاهزة يطبقها, بل علينا أن ندعه يناقش مشكلته ويتخذ فيها قراراً, وهكذا سيتعود حل المشاكل التي تعارضه واتخاذ القرار المناسب فيها.

   وكذلك على الآباء أن يمنحوا أبناءهم الفرصة لتحمل بعض المسؤوليات الصغيرة, وأن يشعروهم أنهم كبار , وأن يناقشوهم في الأمور الخاصة بالعائلة ويأخذوا بالصواب من آرائهم, فكل هذا يمنح الأطفال ثقة في أنفسهم وينمي فيهم روح المسؤولية والقدرة على اتخاذ القرار، فالشورى داخل الأسرة تجعل الجميع يشارك في اتخاذ القرار وبالتالي في تحمل المسؤولية, فيعتاد الأطفال ذلك منذ نعومة أظفارهم, ويتعودون أيضا الصراحة والصدق والشجاعة في التعبير عن آرائهم, فلا يخفون شيئا عن أسرهم, ولا يتعرضون لأي ابتزاز خارجي, ولا يتجهون لأصدقاء السوء حينما يكبرون قليلا... فلنحمل أطفالنا المسؤولية ولنمنحهم الفرصة للتعبير عن آرائهم, فالطفل ينمو إلى المستوى الذي تعامله به.

المبالغة مرفوضة

   بعض الآباء يبالغون في التعبير عن خوفهم على أطفالهم, والخوف على حبات القلوب هو بعض الرحمة التي أودعها الله قلوب الآباء, ولكن الخوف الزائد من الآباء على أبنائهم يقتل فيهم الصفات الحميدة, ويخلق فيهم الاعتمادية والتواكل والجبن, فالطفل الذي شب على ألا يأكل إلا بإلحاح من والديه, وعلى ألا يؤدي واجباته المدرسية بمفرده, وعلى ألا يقف بنفسه إذا وقع على الأرض... قطعا سيكون عالة على مجتمعه.

   والبعض الآخر من الآباء يرى أن القسوة مع الطفل تجعله صلبا يتحمل قسوة الأيام وصعوبة الحياة, وهذا خطأ كبير فحاجة الطفل للحب والحنان توازي وتساوي حاجاته الأساسية تماما, كما أن القسوة مع الأطفال يجب ألا تكون إلا عند الخطأ الواضح, كما يجب ألا يكون عقاب الطفل أمام الناس، وخاصة من زملائه وأقرانه, ويجب أن يكون العقاب على قدر ما ارتكب من خطأ, وألا نعاقبهم على كل شيء... فلندعهم يمارسون أخطاء الطفولة, فالأطفال يتعلمون من أخطائهم.

   والآباء اليوم يعجبون لحال أطفالهم ولطريقة تفكيرهم وكلامهم وتصرفاتهم وتطلعاتهم... ولهم الحق، فأطفال اليوم اختلفوا اختلافا كبيرا عن جيل الآباء, ولكن هذا لا يعفي الآباء من اللوم, فكم من الوقت يقضيه الآباء مع أبنائهم يومياً؟ وما نوعية الحوار الذي يتبادلونه معهم؟.. أهو حوار حقيقي.. أم أوامر وتوبيخ وفرمانات تسلطية...؟ كم مرة اصطحبتم أبناءكم إلى مجالس العلم والفقه أو لحضور الصلوات؟ وكم مرة شاركوكم في جلسات اجتماعية أو ترفيهية..؟ نعلم أن مسؤوليات الحياة على الأبوين كبيرة.. لكن أليس الأبناء هم الأمل الذي تسعون من أجله؟

   وقد يكون ذا دلالة هنا الاستطلاع الميداني الذي قامت به احدى الصحف الخليجية على عينة من الآباء تضم ألف شخص كانوا حسب المؤهل العلمي كالتالي:

  1- 33% يحملون شهادة الثانوية.

  2- 24% يحملون شهادة دبلوم.

  3- 27% يحملون شهادة جامعية.

  4- 12% يحملون شهادتي الماجستير والدكتوراه.

  5- 4% يحملون شهادات أخرى.

  * وقد جاءت الإجابات عن السؤال: كم من الوقت تستغرقه مع أبنائك في اليوم (بشكل عام)؟ محققة النسب التالية:

  1-الذين يقضون 4 ساعات فأكثر مع أبنائهم جاءت نسبتهم (1% فقط).

  2- الذين يقضون 3 ساعات جاءت نسبتهم (2%فقط ).

  3- الذين يقضون ساعتين جاءت نسبتهم (5%).

  4- الذين يقضون ساعة واحدة مع أبنائهم جاءت نسبتهم (37%) وهي أعلى الأرقام هنا.

  5- الذين يقضون مع أبنائهم أقل من 30 دقيقة جاءت نسبتهم (34%).

  6- أما الذين يقضون أي وقت مع أبنائهم فجاءت نسبتهم (21%) وهي نسبة كبيرة وخطيرة للغاية.

* أما كم من الوقت يستغرقه الأب مع أبنائه في اليوم للتدريس؟ فكانت النسب كالتالي:

    1- الذين يقضون مع أبنائهم 4 ساعات فأكثر للتدريس نسبتهم (1%) فقط.

    2- الذين يقضون 3 ساعات (1%فقط ).

    3- الذين يقضون ساعتين (3%فقط ).

    4- الذين يقضون ساعة واحدة (7%فقط ).

    5- الذين يقضون أقل من 30 دقيقة (12% فقط ).

    6- أما الذين لا يقضون أي وقت مع أبنائهم للتدريس فقد جاءت نسبتهم (76%) وهي نسبة كبيرة جداً وخطيرة جداً!!

 * أما كم من الوقت يستغرقه الآباء مع الأبناء في المحادثة؟ فكانت النسب كالتالي:

   1- الذين يقضون 4 ساعات فأكثر مع أبنائهم للمحادثة بلغت نسبتهم (صفر).

   2- الذين يقضون 3 ساعات جاءت نسبتهم (2%).

   3- الذين يقضون ساعتين (5%).

   4- الذين يقضون ساعة واحدة نسبتهم (59%) وهي أعلى النسب.

   5- الذين يقضون أقل من 30 دقيقة نسبتهم (27%).

   6- الذين لا يقومون بقضاء أي وقت مع أولادهم للمحادثة نسبتهم (7%).

  في الإجابة على سؤال: كم من الوقت تستغرقه مع أبنائك؟ كانت النسب كالتالي:

1-  الذين يقضون 4 ساعات فأكثر نسبتهم (صفر ).

2-  الذين يقضون 3 ساعات فأكثر نسبتهم (2%).

3- الذين يقضون ساعة واحدة نسبتهم (43%).

4 الذين يقضون أقل من 30 دقيقة تبلغ نسبتهم (49%) وهي أعلى النسب هنا

5- أما الذين لا يقضون أي وقت مع أولادهم في التوجيه والإرشاد فنسبتهم صفر.

  * أما نسب الوقت الذي يقضيه الآباء مع أبنائهم في الترفيه فكانت كالتالي:

   1- 4 ساعات فأكثر (صفر ).

   2- 3 ساعات (1%).

   3- ساعتان ( 9%).

   4- ساعة واحدة (40%).

  5- أقل من 30 دقيقة (49%)وهي أعلى النسب.

  6- الذين لا يقومون بقضاء وقت مع أولادهم للترفيه نسبتهم (1%).

الشخصية المميزة

   نتائج هذه الدراسة خطيرة للغاية, وسيكون من المفيد تطبيقها في أكثر من بلد عربي, فقد باتت قضية تربية أطفالنا الذين هم بعض الحاضر وكل المستقبل, والذين هم الثروة الحقيقية التي لا تنضب, هي أهم القضايا الملحة في مجتمعنا العربي والإسلامي, فإذا فتحنا الملف فوجئنا أن الآباء لا وقت عندهم يقضونه مع الأبناء.. فضلا عن أن يقوموا بدور التربية!!

   وحينما نتكلم عن دور الأسرة في التربية, فإن خير ما يقدمه الآباء لأبنائهم هو لغة حوار محترمة ومهذبة، فيعلمونهم منذ نعومة أظفارهم حسن انتقاء ألفاظهم والبعد عن السباب والتجريح والألفاظ النابية والبذيئة، وعدم تقليد أخطاء الآخرين, وأيضا تعليمهم حسن الاستماع واحترام الرأي الآخر حتى لو اختلفنا معه، وألا يكون الكلام لمجرد اللهو, إذ يجب أن يرتبط بالفعل, والبعد عن الكذب والنفاق وكثرة الكلام... فإذا  ما تيسر للطفل تعلم هذه الأخلاقيات مع ثقة في النفس وقدرة على التعبير عن آرائه عاش إنسانا سويا طيلة حياته.

   فالألفاظ النابية والكلمات العجيبة التي يرددها أطفال اليوم نقلا عن التلفاز أو الشارع أو زملاء المدرسة هي التي تدفع الآباء إلى زجر الأبناء ومحاولة إسكاتهم، وإشهار مفهوم "العيب" في وجوههم. ومفهوم "العيب" واسع ومطاط إلى حد ابتلاع كل القيم الإيجابية التي نتحدث عن افتقاد أطفالنا لها, والأصح في رأيي هو قانون "الحلال والحرام"... فالحلال بيّن والحرام بيّن, أما العيب فهو غير بين... ويستطيع كل أب وأم تفسيره تبعا لأهوائهم في تربية أطفالهم, ومن الضروري هنا أن نربي أبناءنا على الخوف من الله أولا قبل كل شيء, وليس على الخوف من الناس وما سيقولونه عنا أو يفعلونه بنا, فإذا رسخت هذه القاعدة في نفوس أبنائنا كانت هي الأساس الصلب الذي تبني عليه كل مكارم الأخلاق.

   وليس على الآباء أن يدفعوا أبناءهم إلى كبت مشاعرهم الحقيقية لمجاملة الآخرين وإرضائهم, كما أن حرصنا على تحلي الأبناء بمكارم الأخلاق لا يعني أن نضعهم في قالب محدد المعالم تمحى فيه معالم شخصياتهم المميزة, فالشخصية المميزة هي سر الإبداع والعبقرية في سائر المجتمعات.

   وبعض الآباء يرتكب العديد من الأخطاء التربوية في تربية الابناء؛ لأنهم يضعون فيهم كل أحلامهم وآمالهم التي حرموا من تحقيقها في حياتها, أو لأنهم يريدون من أبنائهم أن يكونوا خطا مستمراً لهم... وتنعكس كل هذه السلوكيات الخاطئة على الأبناء، وخاصة الابن الأول؛ نتيجة عدم خبرة الآباء في أساليب التربية... ومن ثم يضغط الآباء على أطفالهم حتى يرونهم في أحسن صورة, ولكن البعض يغالي في الضغط حتى يمسح شخصية الابن ويجعله يخشى التعبير عن آرائه ويفقد الثقة بنفسه!!

ثم يذهب الطفل إلى المدرسة.. والتلقين هو الأسلوب السائد؛ فلا عمل للعقل إلا في حدود... وإبداء الرأي مشكلة... والجلوس على المقاعد طوال الوقت هو الحل الأمثل لإسكات الصغار وتقييد جلبتهم وضوضائهم, وحفظ المعلومات هو السبيل لاجتياز الامتحانات, والامتحانات لا تقيس الشجاعة ولا الجرأة ولا القدرة على التعبير عن الآراء ولا تحمل المسؤولية... ولهذا لا يهتم المعلمون بإكسابها للطلبة..

وما بين البيت والمدرسة يفتقد أطفالنا القدوة في المجتمع وفي وسائل الإعلام، وتضيع حقوقهم وتهزم مواهبهم وقدراتهم... ولا نجني بعدها سوى السلبية والفشل!