كيف خسرت الحكومة؟

أظهر الاستطلاع الأحدث لمركز الدراسات الاستراتيجية أن شعبية الحكومة انخفضت بشكل ملموس، قبل أن تتخذ أي قرار بزيادة ضريبة المبيعات، والمشتقات النفطية، وخدمات الإنترنت.اضافة اعلان
وأكاد أجزم أن الحكومة خسرت بالفعل من شعبيتها قبل اتخاذ القرارات، أكثر مما خسرت بعد زيادة الضريبة الإضافية على البنزين والديزل.
والسبب، هو طول أمد الفترة التي استغرقتها النقاشات المفتوحة والعلنية حول الحزمة الاقتصادية قبل أن تتم صياغتها بشكل نهائي، خاصة وأن التوجه لإقرار الحزمة تزامن مع مناقشة النواب لمشروع قانون الموازنة العامة.
ومن الأمثلة الصريحة على توظيف الوقت لغير صالح الحكومة، السجالات الدائرة حاليا، ومنذ أكثر من أسبوعين، حول الخيارات المطروحة لرسوم الإنترنت. إذ لم يبق سيناريو في العالم إلا وتم اقتراحه بهذا الخصوص. وقبل أسبوع تقريبا، قرأت في "الغد" تقريرا إخباريا عن وجود تسعة سيناريوهات معروضة للنقاش لاختيار أفضلها للتطبيق. وبعد أيام، تقلصت الخيارات إلى ثلاثة. في الأثناء، كانت مواقع التواصل الاجتماعي تعصف بمناقشات ساخنة ومعترضة على التوجه، مع أننا لم نكن نعرف بعد القرار النهائي، وما نزال حتى اليوم لا نعرف.
وما حصل في الواقع أن ضريبة خدمات الخلوي أو الإنترنت، استهلكت من النقاش ما لم تحظ به قضية من قبل، لارتباطها الوثيق بمصالح ملايين الناس من مستخدمي الهواتف ومواقع التواصل الاجتماعي. وهو ما حفز الآلاف، بل عشرات الآلاف، على الانضمام لحملات المقاطعة؛ سواء كانت لسلع غذائية أم لشركات الاتصالات، كانت أشهرها حملة "سكر خطك".
بالنتيجة، كبرت كرة الثلج أكبر بكثير من مستوى التوقعات، أو من حزمة القرارات ذاتها. واتخذت الحملات منحى مقلقا، انتهى بنتيجة مؤسفة، هي توقيف عدد من الناشطين، وإغلاق صفحات المقاطعة على موقع "فيسبوك".
كان ذلك لغياب التصور المسبق؛ فقد دخلت الجهات الرسمية حلبة الصراع وهي لا تعرف بالضبط ماذا تريد. والأدهى من ذلك، أن برزت تباينات واضحة بين المسؤولين حول اقتراح ضريبة الإنترنت، مع تسجيل العديد منهم تحفظاته على المبدأ من أساسه.
الاقتراح كان قد جاء من النواب أولا. فتلقفته الحكومة فورا. لكن لا النواب أوالحكومة كان عندهما تصور لكيفية التطبيق. وما طرحه النواب في البداية "فرض دينار على كل خط خلوي"، اصطدم بمعارضة شعبية واسعة، فتراجعوا عنه، فيما انخرطت الحكومة في ورشة نقاشات لا تنتهي لانقاذ الاقتراح بأفكار بديلة.
كان مناخا ملائما لتنامي المعارضة الشعبية لمجمل التوجه الحكومي وحزمتها الاقتصادية. في العادة، تقف الأغلبية من المواطنين ضد قرارات رفع الأسعار، وهذا سلوك طبيعي. لكن المعارضة في حالتنا الأخيرة بلغت أعلى درجاتها، عندما تحولت إلى مناقشة عامة ومفتوحة، من دون خطة واضحة المعالم، وحاول البعض استثمارها لغايات أخرى.
وساعد الاشتباك النيابي الحكومي في مضاعفة المأزق، خاصة مع افتقار الطرفين للغة مشتركة في الحوار والتوافق. ورغم الإجراءات التقشفية التي اتخذتها الحكومة لضبط النفقات، فإن ذلك لم يحدّ أبدا من المزاج السلبي الذي تشكل واستوطن على مدى أسابيع طويلة، بحيث أصبح من الصعب تجاوزه حتى لو تراجعت الحكومة عن قراراتها.