كيف غيرت منصات التواصل الاجتماعي العالم؟

إسراء الردايدة

عمان- في حين أن عدد مستخدمي الإنترنت حول العالم يبلغ 7.524 مليار مستخدم، إلا أن منصات التواصل الاجتماعي لها دور كبير في تغيير العالم والتأثير به بشكل كبير بمختلف نواحي الحياة العملية والشخصية، لتغدو جزءا مهما وأساسيا منها، لا سيما وأن 3.819 مليار شخص منهم ناشط عبر هذه المواقع، بحسب ما نشره موقع "غلوبال ديجتال سناب شوت" في آب (أغسطس) الماضي.اضافة اعلان
ومع ارتفاع هذه الأرقام؛ حيث إن هنالك 2.780 مليار شخص يستخدمون الهواتف لتصفح شبكات التواصل الاجتماعي، أصبحت عاملا مؤثرا وأساسيا في تغيير حياتنا، بحسب ما نشره موقع المدون الشهير جيف بولاص، فهو متحدث رسمي في منصات عالمية، ويختص بالتسويق الرقمي واستراتيجياته، فضلا عن اختصاصه في مجال الابتكار والمحتوى والأتمتة التسويقية وكل ما يختص بها، ويزور موقعه أكثر من خمسة ملايين زائر سنويا.
وأثرت مواقع التواصل الاجتماعي، وأصبحث جزءا من الثقافة أيضا، لتدخل في كل جوانب الحياة عبر  وسائل التكنولوجيا التي لا يتوقف تطورها كل يوم، لتغدو تحديا للأوضاع الراهنة وتسهل بلوغ أهداف لم نحلم بها من قبل، وجعلت العالم قرية أصغر وأقرب وسهلة الوصول للجميع، لأننا بتنا نتحدى الوضع الراهن ونصنع الأمور بأقل الإمكانات ونتواصل مع بعضنا بعضا، ما ولد تنظيما ذاتيا لأهم القضايا العالمية التي غيرت العالم ونظرته إليها وأيضا كيف يستخدمها من أجل هذا.
ومن جهته، يلفت مستشار استراتيجيات التسويق الرقمي، زامل صفوان، إلى الدور الكبير الذي لعبته هذه المنصات باختلاف أنواعها في تسهيل بلوغ العولمة ونشرها، وكسر الحواجز الثقافية والتواصل مع الجميع لأنها ألغت الحواجز كافة وأتاحت الفرصة للجميع بأن يعبر عما يمر بخاطره باختلاف الاستخدامات والتوجهات، رائيا أنها أدوات مؤثرة قوية، ولا يمكن تجاهل دورها في التغيير والتأثير.
فمن خلال هذه المنصات، نحن نولي اهتماما للتفاصيل الصغيرة في حياة من حولنا، ونشارك صورنا الخاصة ونوسع دائرة التعارف والتواصل، وهي أيضا متاحة للتحدث عن القضايا العامة والخاصة، فضلا عن دورها في زيادة الوعي، وتسهيل الوصول للمعلومات ونشرها في جميع أنحاء العالم عبر "فيسبوك" وحتى "تويتر".
ويرى صفوان، أن هذه المنصات كسرت واخترقت كل الحواجز، لا سيما لمن يخاف من المواجهة المباشرة، فعبر هذا العالم الرقمي الافتراضي نملك خيارات مختلفة للحصول على ما نريد وقول وفعل ما نريد بدون أن نضطر للتحرك من مكاننا.
فاليوم، إن لم نتمكن من الوصول لشخص عبر هاتفه، يمكن ترك رسالة صوتية إو إرسال نص، وحتى الوصول لرسالة خاصة على "فيسبوك" في ثوان لتيفاعل معنا بدون الاضطرار حتى لرفع سماعة الهاتف، كما أننا قادرون على رؤية ما يفعلون من خلال خاصية تواجدهم المباشر وحتى في بعض الأحيان تعقبهم أو معرفة مصير أحدهم، لاسيما أولئك الذين عرفناهم في فترات قديمة لم تتواجد فيها هذه الوسائل.
ووضح صفوان أن منصات التواصل الاجتماعي ووسائلها أتاحت للفرد التعبير عن رأيه وإخبار القصص، فلكل منصة خاصية معينة تتيح للفرد مشاركة قصصه اليومية بأساليب ومجالات مختلفة، ما وسع نطاق التعبير عن الرأي بحرية وسرعة تناقله.
وهي ميزة أتاحت لبعض الأفراد أن يغدوا مشهورين، خصوصا المؤثرين الذي اكتسبوا شهرة واسعة حول العالم أو على نطاق مجتمعهم، ويملكون عددا كبيرا من المتابعين واكتسبوا ثروات وباتوا يؤثرون في آلاف ومئات من يتابعهم وقدوة لهم، وتلك ميزة أصبحت الشركات التجارية تستثمر فيها للترويج لما تنتجه أو لتجعل من اسمها حاضرا أكبر، كما جاء في موقع "جيف بولص".
ويذهب صفوان، إلى أن ميزة كل منصة تواصل اجتماعي تملك أداة خاصة بها تميزها عن غيرها، وبخاصة الفيديوهات التي تنشر قصصا عبر 10 ثوان ومتاحة لـ24 ساعة، وهذا بدوره يترك أثرا مستمرا في متابعة ما يجري على الساحة العالمية طوال الوقت منها خاصية البث المباشر عبر "فيسبوك" وحتى "تويتر" وصولا لقصص "سناب شات" و"انستغرام".
لأن تلك المنصات الاجتماعية محت وكسرت قواعد الحواجز كلها، فإن مشاركة الرأي عبرها بشكل يومي باتت صوتا للكثيرين يصل للناس وإلى وسائل الإعلام الأخرى، وهذا العنصر خلق فئة جديدة رقمية إعلامية وأداة قوية في التغيير، فكل شخص ينشر رأيه وأفكاره جعلت الوصول إليها مفتوحا، ما ألغى الخصوصية لتغدو متنفسا لمستخدميها ومساحة لتبادل الأفكار والآراء.
وبالرغم من كونها أداة قوية، لأنها تجعل الأخبار بنطاق أوسع، إلا أن الكثيرين من مستخدميها وجدوا أنفسهم في مواقف صعبة نتيجة آرائهم التي يشاركونها عبر شبكة الانترنت، فحرية الرأي لا تعني الإساءة والتمرد أو التعليق على قضايا تحرض على الإرهاب وارتكاب الجرائم الجماعية وحتى الفردية والعنف والعنصرية وغيرها من الإساءات.
ويعتبر صفوان أن منصات التواصل الاجتماعية مثل "تويتر" تختلف كل منها في طبيعة الجمهور والتفاعل، ففي حين يملك "فيسبوك" خاصية تحديد الجمهور والخصوصية، فإن "تويتر" لا يملكها، وما يتم نشره موجه على نطاق أوسع بمعنى علمي واختصار محدد لا كما في "فيسبوك" من حيث المحتوى وعدد كلمات المنشور، فنحن إذن عبر تلك المواقع نسلم عن طيب خاطر كل التفاصيل والمعلومات الشخصية.
وعلى الصعيدين المهني والعلمي، ومن الناحية التجارية، فقد منحت منصات التواصل الاجتماعي الشركات صوتا، حين يتعلق الأمر بالعلامة التجارية، وطرقا مختلفة للتواصل مع جمهورها وتحديد أهدافهم والتعامل مع العملاء والموظفين أيضا، فهذه الشبكات الاجتماعية مكنت الكثير من العلامات التجارية من التضخم وإيصال رسالتها، في حين لم تكن قادرة على ذلك قبل عقد أو اثنين.
فعبر هذه المنصات، يمكن للشركة أن تجيب عن أي استفسار يردها بشكل آني، وتجاوب سريع، وتتعامل مع الشكاوى، مع قدرة على التحدث مع العملاء وتحسن من خدماتها بواسطة التغذية الراجعة، ما يخلق شعورا أفضل بالنسبة للعميل وولائه للعلامة التجارية، وأثبتت تلك المنصات قوتها في كونها أداة لا تقدر بثمن للشركات الراغبة في النمو والتواصل مع الجمهور.
ومن خلال سرعة معدلات الاستجابة، فقد غيرت وسائل التواصل الاجتماعية الطريقة التي نتكلم ونتعامل بها مع أي حدث وكارثة نستجيب لها، فمثلا بعد زلزال هاييتي الذي ضربها بقوة 7.0 على مقياس ريختر قبل بضعة أعوام، استخدمت المؤسسات غير الربحية وفرق الإنقاذ هذه المنصات لبلوغ وتوسعة رقعة الإنقاذ وجمع متطوعين ودعم المجتمع المحلي، كما شهدت هذه المنصات أشهر الحملات للتبرع في ذلك الوقت بغية إعادة الإعمار وتوفير ما يحتاجه الضحايا.
والأمر نفسه انعكس وتكرر أيضا في زلزال وأمواج تسونامي في اليابان في آذار (مارس) 2011؛ حيث استخدم ملايين الأفراد هذه المنصات في جميع أنحاء العالم للتبرع والبحث عن صديق لها.
وفي حين يوفر "فيسبوك" خاصية التبليغ والإخبار عن الأمان وتحديد الحالة، لمن يبحث عن أصدقائه وأقاربه حين تقع مثل تلك الحوادث، فقد مكنت تلك المنصات الحصول على معلومات محدثة في أوقات هي الأكثر رعبا لمن مر بها أو تابعها.
وأنجح حالات استخدامها أيضا في زلزال نيبال في العام 2015؛ حيث كان "فيسبوك" المنصة الرائدة من خلال سرعة الرد والتفاعل لأولئك الذين في المناطق المجاورة للكارثة لإبلاغهم بأنهم في وضع آمن، بعد أن كان في مرات سابقة من الصعب التعرف على حالة أي فرد في ظل مثل تلك الظروف، وتحديد مواقع المفقودين وتتبعهم، وتمكنت وسائل التواصل الاجتماعي من سد تلك الفجوة وبناء جسر مكانها.
كما باتت منصات التواصل الاجتماعي مساحة للتوظيف والبحث عن الخبرات، فقبل عشر سنوات لم يكن الوضع كما هو عليه الآن، فكل باحث عن وظيفة كان يتم الوصول إليه بطرق محدودة والتعامل مع مرشحين محتلمين، ولكن بفضل الإنترنت والأجهزة المحولة التي كان نموها بنمو وسائل التواصل الاجتماعي، يمكن الوصول للأكفأ والأكثر خبرة بدقة، كما سهلت عملية البحث عن مهارات معينة ولقب وظيفي في مناطق محددة، وجمع معلومات مختلفة وحقيقية عن أي مرشح محتمل، وفتح المجال للمواهب بالنمو والانتقال من دورها لمرحلة أخرى في مسيرتها.
وأكبر أثر لمنصات التواصل الاجتماعي بالطبع هو إثراء المحتوى الرقمي بلغات مختلفة، عبر جهات متعددة، وبأشكال مختلفة أيضا، فمن خلال وكالات التوظيف والشركات وحتى المدونات والمواقع الإخبارية يمكن تبادل معلومات وأفكار وخبرات خاصة وسعت جمهور تلك المنصات ومستخدميها، وهؤلاء باتوا يضيفون المصداقية لما يبثونه ويهتمون بكل تفاصيله وخدماتهم دقيقة لا مجال للغش فيها والخداع لأن سمعتهم الرقمية على المحك.
ومن هنا باتت تلك المنصات أداة تحول كامل للعالم، ومصدرا لتبادل معلوماتي حقيقي، ذات تأثير قوي، ووفرت سلطة لمستخدمها ووسيلة مؤثرة على عقول الناس وتغيير المجتمعات وصناع القرار وتحويل السياسات ونشر الوعي، وتلك أعظم إيجابياتها، فهي قادرة على خلق التغيير في العالم وتحقيقه.