كيف نشجع الإبداع والابتكار في مدارسنا؟

منال أحمد كشت

سعدنا كثيرا بالطلبة العشرين والمشاريع الاثني عشر، الذين ترشحوا لتمثيل الاردن في التصفيات النهائية لجائزة انتل للعلوم والهندسة التي ستجري في الولايات المتحدة الاميركية في شهر أيار (مايو) المقبل. مثل هذه الإنجازات التي نفتخر بها تسلط الضوء على اهمية تعليم الابداع والابتكار للطلبة منذ سن مبكرة.اضافة اعلان
لقد اضحى مفهوم الابداع والابتكار محط اهتمام الأكاديميين والتربويين في كل المؤتمرات التعليمية عربيا وعالميا، ويكمن التحدي اليوم في كيفية تطبيق هذه الأفكار والتوصيات على ارض الواقع، وفِي طرق تعديل المناهج الدراسية بما يتناسب ومخرجات الثورة الصناعية الرابعة، وتطوير العملية التعلمية بناء على معايير واهداف شاملة ومتكاملة بهدف الوصول الى منهج تربوي حديث يحفز الابداع والابتكار في المدارس ويشجع التفكير النقدي لدى الطلبة.
يعد الابتكار مهارة أساسية تؤثر بشكل غير مباشر في الاقتصاد العالمي، لذلك تقوم بعض المدارس الكبرى بتخصيص ساعة يوميا تحت مسمى "ساعة العبقرية" بهدف تعليم اساسيات الابتكار وتنمية الابداع لدى طلبتها. في الوقت الذي تفتقر  المدارس الحكومية الى إيجاد تصور علمي قابل للتطبيق لجعل الابتكار والابداع معيارًا مهما في العملية التعلمية بهدف وضع حجر الاساس لمفهوم الريادة؛ فالعديد من مدارسنا لا تعرف الطالب بمهارات التفكير الناقد والمنطق والابداع والتفكير العملي بل تكتفي بتلقينه بعض المعلومات التي ينساها بعد الامتحان.
لهذا أصبحنا بحاجة ملحة الى تطبيق استراتيجيات تعليمية جديدة ترتكز على تعليم الابداع ضمن مناهج مدرسية يتم تكييفها وتطبيقها من خلال طرق تعلم مبتكرة، تجعل من الغرفة الصفية مكانا لاستلهام الأفكار واثارة التفكير الإبداعي والنقدي. وهنا تبدأ مهمة المعلم الذي بامكانه فعل الكثير في هذا المجال، مع اهمية الإشارة الى حقيقة ان مثل تلك الممارسات الصفية لن تجعل من عمله اكثر صعوبة بل اكثر متعة وتحفيزا للطلبة، ومن الممكن استخدام النصائح التالية لتحويل الغرفة الصفية الى ورشة كبيرة لصناعة الابداع:
1. طرح الأسئلة المحفزة للتفكير: يوصي المختصون في تعليم الابتكار والابداع المعلمين بضرورة فتح المجال امام الطلبة لاكتشاف المفاهيم والمعارف بشكل مستقل من خلال طرح الأسئلة المناسبة التي من شأنها ان تحفز التفكير، وذلك بهدف خلق بيئة من التعلم الفعّال المتمركز حول الطالب بعيدا عن التلقين. مثل تلك الأسئلة لا تنحصر بجمع المعلومات بهدف الحصول على المعرفة، بل تمتد لتنمية التفكير النقدي والاستكشافي، خصوصا عند طرح الأسئلة غير المقيدة والتي تخاطب الفكر وتحفز الابداع.
2. البحث عن مصادر المعرفة: وهو ما يسمى بأسلوب بيستالوزي، وهو الأسلوب الذي اتبعه أينشتاين في أبحاثه، والذي يتيح للطلبة معرفة الجواب الصحيح عقب كل نشاط صفي من خلال التقويمات التكوينية، والذي ينمي لدى الطلبة مهارة التفكير المنطقي ويشجعهم على التعلم الذاتي والبحث عن الجواب بكل الطرق الممكنة بإشراف وتوجيه من المعلم، والذي تقتصر مهمته على توفير الوسائل الضرورية. ويفسح هذا الأسلوب مجالا اكبر للطلبة لإطلاق العنان لمخيلاتهم وإبداعاتهم.
3. تطبيق نظام الطاولة المستديرة: وهو ما يسمى بأسلوب هاركنس، والذي يهدف الى تحويل الغرفة الصفية الى مكان للتفاعل والنقاش والحوار بدلا من النهج التعليمي التقليدي الذي يعتمد اُسلوب الالقاء والتلقين. ويعتمد على استخدام طاولات دائرية مما يسهل عملية النقاش بين الطلبة. ويمكن للمعلمين في المدارس ذات الموارد المحدودة، كما في اغلب المدارس الحكومية، اعادة تنظيم المقاعد المتوافرة بناء على هذه الطريقة للسماح للطلبة بالعمل ضمن مجموعات وتطبيق استراتيجيات التعلم التعاوني.
4. التعلم التعاوني المستند على المشاريع: يساعد التعلم وفق طريقة المشاريع على تنمية المهارات الاجتماعية، وتعزيز روح القيادة والابداع، وتحسين مهارات الكتابة والبحث، وزرع بذور التعاون وخلق روح الفريق وتنمية مهارات التواصل بين الطلبة. فهو يسمح للطالب بدمج المعارف التي تعلمها مع مهاراته الفردية ابتداء من مرحلة التخطيط وانتهاء بمرحلة تقييم المشروع بالمقارنة مع الأهداف المحددة مسبقا حيث يكون دور المعلم في هذا النمط من التعلم توجيهيا وإرشاديا فقط.
5. توظيف التكنولوجيا في خدمة الابداع: يمكن للتكنولوجيا الحديثة ان تكون الوسيلة المفيدة والممتعة التي تحقق أهدافا تعليمية، خصوصا اذا ما تم توظيفها على الوجه الأمثل. فهناك بالفعل الكثير من التطبيقات التعلمية الخاصة بالاجهزة اللوحية وبرامج الحاسوب التي من شانها اثارة التفكير الإبداعي لدى الطلبة وتحفيزهم على التعلم الذاتي الفعّال. وهنا يلعب المعلم دورا أساسيا في تحديد التطبيقات المناسبة بما يتناسب مع المادة التي يتم تدريسها.
6. تحقيق التكامل بين المواد الدراسية افقيا وعموديا: تتجه استراتيجيات التعلم الحديثة لتوظيف التكامل بين مختلف المواد الدراسية، بشكل أفقي وعامودي، مثل الدمج بين مفاهيم الرسم والرياضيات او العلوم والتربية البدنية، فذلك يجعل التعلم قابلا للتطبيق وملموسا الى حد ما بالنسبة للطلبة ومن شانه ان يربط المعارف التي يكتسبها الطلبة بالمواقف الحياتية اليومية.
7. عدم تقييم الطلبة ضمن معيار واحد: من المهم عدم حصر انجاز المهمات ضمن معيار واحد، ومنح الطلبة بعض الحرية في الإنجاز، فبعض الطلبة سيبدعون من خلال شريط فيديو او رسم كاريكاتوري او عمل موسيقي او حتى عرض مسرحي، وهدا من شأنه ان يجعلهم اكثر تحفزا لإتقان العمل الذي يقومون به واكثر استعدادا لتوظيف كل مهاراتهم وطاقاتهم للابداع فيه. ان القدرة على إيصال الأفكار بوضوح واحترام من شانه ان يفيد الطلبة في جميع مجالات حياتهم المستقبلية.
ان نشر ثقافة الابداع تهدف الى اشراك الطلبة في عملية التعلم بدلا من ان يكونوا مجرد متلقين للمعرفة، فالمشاركة والتفاعل مع المواضيع التي تتم مناقشتها داخل الغرفة الصفية من شأنها تعزيز مهارة التفكير النقدي لدى الطلبة، وزيادة قدرتهم على التواصل والتعبير بحرية عن افكارهم وآرائهم وتدربهم على فن استماع الراي الاخر وتقبله أو نقده بايجابية والاستفادة من تجارب الآخرين. ومن شان هذا تجهيز الطلبة بالادوات اللازمة لمواجهة سوق العمل وشغل المناصب الريادية في عالم يشهد تطورا سريعا في كافة المجالات.
في النهاية لا بد من التأكيد على حقيقة ان الأنظمة التعليمية الحالية بأمس الحاجة الى ثورة اصلاحية متكاملة على مستوى المناهج وطرق التدريس وتأهيل المعلمين والبنية التحتية لتواكب التطورات الاقتصادية والتكنولوجية بشكل يوفر للمتعلمين وسائل اكثر وحرية اكبر للابداع واختيار ما يناسب طموحاتهم المستقبلية.