كيف يتعامل الآباء مع أطفال "يسيئون التصرف" أثناء حديث الكبار؟

Untitled-1
Untitled-1

ربى الرياحي

عمان - شعور عارم بالغضب انتاب الثلاثينية أم أيهم بسبب إساءة طفلتها ذات التسعة أعوام لها أثناء حديثها مع جارتها. تقول لم أتوقع أبدا أن أمرّ بموقف كهذا، إحراج شديد لم تستطع بعده أن تكون سوى صارمة مع ابنتها التي قامت بتكذيبها أكثر من مرة أمام جارتها.
الأمر بات مزعجا جدا بالنسبة لها ولمن يزورها فابنتها ورغم صغر سنها، إلا أنها تحاول دائما إقحام نفسها بكل الأحاديث ومقاطعة المتحدث أيا كان، وكأنها تريد أن تظهر رأيها وبأنها موجودة، فتلجأ إلى معارضة كل ما يطرح بدون أدنى احترام. وبالرغم من ذلك، تحاول ثنيها عن مثل هذه التصرفات وإقناعها بأن تدخلها في أحاديث الكبار له حدود وضوابط ولا يحق لها تجاوز الخطوط الحمراء وإساءة الأدب أمام الناس.
وتجد أن هناك الكثير من المؤثرات التي تتدخل في تربية الطفل، كما أن التقليد والحاجة للفت الانتباه سببان يجعلان الطفل يسيء التصرف ويخرج عن نطاق الأدب والاحترام، مؤكدة على أهمية محاسبة الطفل على أخطائه وضرورة تصويبها بطرق حديثة مع الحزم في تطبيقها بالإضافة إلى تعليمه الأسلوب الصحيح للتحاور.
مواقف كثيرة محرجة يتعرض لها الأهل بسبب أبنائهم الصغار تجعلهم قلقين خائفين على صورتهم في أعين الآخر وأكثر الأمور التي تشعر الآباء والأمهات بالضيق هو إحساسهم بأنهم فشلوا في تربية أبنائهم وتحديدا تلك التصرفات التي تصدر منهم أثناء مشاركتهم لأحاديث الكبار، فالبعض منهم لا يتردد في إحراج والده أو والدته ومقاطعتهم بل وأحيانا تكذيبهم كما أن هم قد يتجاوزون حدودهم، ويحاولون إثبات أنفسهم من خلال خوضهم لجميع المواضيع دون خجل أو اكتراث بخطورة ذلك السلوك وانعكاس سلبياته على الصورة الاجتماعية للوالدين.
ناهد عبد السلام تنتقد وبشدة أبناء صديقتها لكونهم غير مهذبين في حديثهم مع الكبار، إذ تفقد أعصابها، وتصبح شخصية متوترة عندما تلمس غياب أبسط قواعد الحوار لدى أطفال ما يزالون غير مدركين لكلامهم.
وتبين أن هذه التصرفات لا تحتمل وفيها استهتار وتجاهل لقيمة الشخص المتحدث وعمره، لافتة الى أن لجوء الاطفال للصراخ أثناء الحديث وفرض رأيهم وعنادهم وتتبعهم لأدق التفاصيل وفي شتى المواضيع حتى تلك التي لا تناسب سنهم، كلها تصرفات مزعجة ومنفرة تجعل كل من يعرفهم يتردد ويحسب ألف حساب قبل أن يزور والدتهم.
وتبين أن اللوم في هذه الحالة يقع على صديقتها التي لا تهتم أبدا بما يصدر عن أبنائها بل وأكثر من ذلك تبدأ تبرر لهم أخطاءهم متخذة صغر سنهم حجة قوية تحميهم من التوبيخ، مؤكدة على أنها ليست ضد أن يعبر الطفل عن رأيه أو أن يشارك الآخرين أحاديثهم فهي تفضل أن يكون اجتماعيا قادرا على الحوار بعيدا عن الخجل والتردد والخوف، لكن بالمقابل يعنيها جدا أن تكون مشاركتهم منضبطة خاضعة لمعايير الاحترام والتقدير.
وترى الأخصائية النفسية أسماء طوقان أن تدخل الأطفال في أحاديث والديهم ومقاطعتهم أثناء حديثهم مع الآخرين يعد سلوكا سلبيا مكتسبا من البيئة المحيطة لهم وبشكل أساسي من الأسرة فهم يتعلمون من خلال التقليد والمراقبة لتعامل والديهم مع الآخرين أو معهم، فهما القدوة الرئيسة للطفل.
لذلك، على الوالدين تعليم أطفالهم آداب الحوار وأساليبه قبل معاقبتهم إن قاموا بهذا السلوك، ومن أهم هذه الآداب عدم مقاطعة أحد وهو يتكلم، ويفضل طلب الإذن وخاصة عندما يتحدث الكبار، ولكن ليس بالتوجيه فقط أو من خلال إعطاء الأوامر بل من خلال تطبيق هذه السلوكيات أمامهم من خلال تعاملهم مع بعضهم في المنزل واحترام كل منهم للآخر والإكثار من كلمات (لو سمحت، شكرا ، أنا آسف ، ممكن).
إلى ذلك، تجنب الصراخ عند الحديث مع بعضهم والاعتذار عن الخطأ وتقدير جهودهم حتى لو كانت بسيطة والإنصات لهم عند تحدثهم لإكسابهم هذا الأسلوب أثناء حديثهم مع الآخرين وعدم مقاطعتهم وإحراجهم، وعلى الأهل أيضا التوضيح لأطفالهم بشكل مفصل أن الأطفال يلعبون ويتحدثون مع بعضهم والكبار مع بعضهم واحترام كل منهم لخصوصية الآخر، وفق طوقان.
ويذهب الاستشاري التربوي والأسري الدكتور عايش نوايسة إلى أن الحوار يساعد الطفل على معرفة خبرات الآخرين ويوسع مداركه وينمي عقله وهو عملية أساسية على الأهل الانتباه لها وتحديدا الأمهات لما لها من دور مهم في توطيد العلاقات، موضحا أن التحاور الجيد يبدأ من البيت ومن الوالدين ومن ثم يتدرج الطفل محاولا التواصل مع العالم الخارجي بما يتعلمه من قواعد وفنون الحديث.
ويلفت نوايسة إلى ضرورة تفهم الطفل واللجوء لتقويم سلوكه بطريقة صحيحة غير منفرة تعطيه فرصة التعبير عن نفسه من خلال طرحه لأفكار وآرائه بأسلوب لبق ومهذب، مبينا أن هناك أسسا يجب على الأهل اتباعها ليستطيعوا صقل هذه المهارة لدى أطفالهم أهمها الثناء والثقة وعدم النقد وتشجيعهم على الحديث ضمن ضوابط محددة.
وينبغي الابتعاد قدر الإمكان عن توجيه الانتقادات اللاذعة للصغار والتركيز على أخطائهم لتصويبها وليس لإحراجهم أو توبيخهم لأن الاستمرار في نقدهم قد يؤدي إلى إحباطهم وانطوائهم وهروبهم من خوض الأحاديث مع الآخر وتجنب تأنيبهم بأسلوب حاد وقاسٍ كنوع من العقاب على صراحتهم، بحسب نوايسة.
وعلى الوالدين في هذه الحالة احتواء الطفل والسماح له بالتحدث باطمئنان بعد تزويده بأهم المبادئ التي تعينه على تحقيق تواصل جيد مع من حوله، بالإضافة إلى تعليمه احترام الرأي الآخر أثناء التحاور وكيفية الرد بأساليب لطيفة ومهذبة.

اضافة اعلان