كِتاب جعفر حسان

سلامة الدرعاوي

كِتاب الاقتصاد السياسيّ الأردنيّ لمؤلفه المسؤول السابق الدكتور جعفر حسان يؤرخ بشكل توثيقي وإحصائيّ مهم لأغلب المحطات المهمة في تاريخ الاقتصاد الأردنيّ منذ أن تأسست الإمارة، داعماً ذلك بقاعدة بيانات رقميّة رسميّة يُكشف بعضها للراي العام لأول مرّة، خاصة عن الفترات السابقة لما قبل أزمة الدينار سنة 1989، حيث تتسم تلك الفترات بندرة الأرقام المعلنة وشح البيانات الرسميّة، وان كانت موجودة لدى الجهات المعنيّة، إلا ان الحصول عليها ليس بالأمر السهل.اضافة اعلان
الكِتاب مع أنه يوثق إحصائيّاً مراحل الاقتصاد الأردنيّ، إلا انه ترك مجالاً كبيراً للجدل والمناقشة مع الكاتب، وهو المسؤول البارز الذي شارك في العديد من السياسات والخطط والإجراءات في العهد الجديد.
لا يمكن لمقال واحد ان يعطي الكِتاب حقه في النقاش، فهو ثريّ جداً بالمعلومات، ويسلط الضوء على حقائق ومراحل مهمة في تاريخ الاقتصاد، تاركاً التحليل للقارئ الذي قد يذهب بعيداً مع كُلّ صفحة من صفحات الكتاب، لذلك فالكتاب بحاجة إلى جلسة نقاشيّة من المختصين لتسليط الضوء على المراحل الهامة التي رصدها.
لكن بإيجاز قصير، يكشف الكتاب عن اهمية المساعدات لتحقيق استقرار الاقتصاد الوطنيّ منذ تأسيس الإمارة، وحسب ما قرأته وفهمته من الكِتاب فان المساعدات هي التي شكّلت القطاع العام بِكُلّ مؤسساته، وان الاتكاليّة عليها ظلت لعقود، لدرجة أنها كانت حتى منتصف الستينيات من القرن الماضي اكبر من إيرادات الدولة ذاتها، ونموّها وتزايد الاعتماد الرسميّ عليها أدى في المحصلة لتشكيل القطاع الخاص بشكل تدريجيّ، وبالتالي الخلاصة التي خرج بها المؤلف هو ان من يعتقد ان الاقتصاد في العقود الماضية افضل اعتماداً على ذاته من السنوات الأخيرة فانه واهم، ففي السابق كان الاعتماد كليّاً على المساعدات التي لا غنى عنها حتى في صرف الرواتب والإنفاق على مختلف مشاريع وخطط الموازنة.
أما الآن، فصحيح ان هناك اعتمادا كبيرا على المساعدات ولكنه بدرجة اقل من السابق بشكل كثير، فهناك إيرادات محليّة تغطي اكثر من ٨٠ بالمائة من نفقات الدولة، وبالتالي يبقى القليل من العجز الذي يُغطى بالمساعدات المختلفة.
الكِتاب يتناول مشاكل الاقتصاد الوطنيّ منذ تأسيس الإمارة، ومنها: كبر حجم القطاع العام وتزايد النفقات والاعتماد على المساعدات والبطالة والاقتصاد الاتكالي والفقر وغيرها من القضايا التي مازالت تعصف بالاقتصاد الوطنيّ لغاية يومنا هذا بأشكال وأحجام مختلفة نسبيّاً عما كانت عليه في السابق.
يفرد الكاتب مساحة مهمة للإدارة العامة في الأردن وجهود الحكومات المختلفة في تنفيذ التوجيهات العليّا في إعداد الخطط والاستراتيجيّات لتعزيز الإصلاحات الاقتصاديّة وزيادة الاعتماد على الذات، والنتيجة كانت ملفتة من عهد لآخر حسب رأي الكاتب، ويدخل في أزمة الدينار سنة 1989 وكيفية انحدار السياسات الاقتصاديّة نحو الهاوية، مرتكزة على قدوم مساعدات عربية لم تأت للخزينة التي ظلت تنفق كما لو أنها حصلت على تلك المساعدات المبنية على وعود سياسيّة وقرارات قمة بغداد بدعم الأردن بنحو12 مليار دولار، لم يحصل الأردن سوى على جزء يسير منها، الى حين وقعت الكارثة وبدأ مسلسل اللجوء لصندوق النقد الدوليّ بعد تلك الأزمة.
الكِتاب استعرض تطورات السياسات في العهد الجديد وكيفية إعطاء الأهمية للسياسات الاقتصاديّة التي كانت على راس التوجيهات الملكية للحكومات المختلفة، وان الاقتصاد بات يسبق السياسة في كل شيء.
والكِتاب يستعرض ابرز المحطات الاقتصاديّة واكثر القضايا جدلاً بشكل سريع ويمرّ عليها مروراً غاب عنه الموقف الواضح في التحليل، تاركا الاجتهاد في ذلك للقارئ، فقضايا الاقتصاد الهامة مثل تطوير القطاع العام واستراتيجيات هيكلته وبرنامج التحوّل الاقتصادي والاجتماعي وصفقة نادي باريس وبعض مشاريع الخصخصة وآلياتها التي في بعضها خالفت المنطق، حيث لم يتم التعمق في حيثياتها ونتائجها الاقتصاديّة على الخزينة، حتى العودة للصندوق لم يكن هناك تحليلا واضحا عن الأسباب التي أدت الى هذا الأمر باستثناء الإشارات الواضحة للازمات الإقليميّة دون الحديث عن الأداء الحكومي بحد ذاته.
الكِتاب يتضمن كمًّا كبيراً من المعلومات الموثقة، وهو يشكل جزءا من الحِوار والتساؤلات في المجتمع حول نتائج السياسات الاقتصاديّة المختلفة التي كان لمؤلف الكِتاب دوراً تنفيذياً مهماً في بعض مراحلها إن لم يكن معظمها.