إبراهيم البدور
عانى الجميع من تغيير الحكومات المتتابع، وعانوا أيضاً من تغيير الوزراء المتكرر، لكن المعاناة الأكبر كانت في تغيّر الخطط وتغيّر النهج كلما أتى وزير أو حكومة، فأصبحنا أكثر الدول خططا لكن بدون تنفيذ.
جرّبنا مفاهيم كثيرة وجُرِّبت علينا خطط أكثر ولكن للأسف كلها باءت بالفشل، والسبب الرئيس ليس في نوعية الخطط فقط ولكن في عدم قناعة الرئيس/ الوزير الجديد في خطة الذين سبقوه؛ فيقوم بوضح خطة جديدة ويبدأ بها، لكن الوقت لا يسعفه فيتغيّر ويأتي آخر ويضع خطة جديدة وهكذا، حتى أصبحنا بلد «الألف خطة».
لكن في هذه الفترة- المئوية الجديدة – نرى نهجا مختلفا؛ فأصبحت الدولة هي من تضع الخطط – تارةً بمشاركة الحكومة وتارةً أخرى بدون وجودها-، والمطلوب من الحكومة تنفيذ هذه الخطط، ويُقاس أداء الحكومة بكمية إنجازها لهذه الخطط، ويبدو أن بقاءها مرتبط أيضاً بالتنفيذ.
وفي هذه المادة سأذكر أمثلة تؤيد ما ذهبت إليه:
أولاً- الجانب السياسي؛ حيث قام جلالة الملك بإنشاء لجنة – لجنة تطوير المنظومة السياسية- وطلب منها وضع خريطة طريق لصورة العمل السياسي في المستقبل وذلك بعمل قانوني أحزاب وانتخاب ودسترة مواد توضح صورة العمل السياسي لمدة 10 سنوات قادمة، حيث قانون الانتخاب بدأ ب 30 % للأحزاب في الدورة القادمة و50 % للتي تليها بحيث نصل الى 65 % في الدورة الثالثة.
وحصّن هذه القوانين بحيث لا يتم التغيير فيها من قبل حكومة قادمة أو مجلس نواب وذلك برفعها لمرتبة الدستور في حال أراد أي أحد التغيير فيها -2/3 المجلس -.
وبذلك نرى أن الخطة السياسية هي خطة دولة وليست خطة حكومة، والمطلوب من الحكومة تطبيقها وشرحها للناس فقط.
ثانياً – الجانب الإداري؛ وهو العمود الفقري لأي دولة، حيث طلب جلالة الملك بشكل واضح من الحكومة عمل خطة إدارية يقوم بها خليط من القطاع العام والخاص و سميت «لجنة تحديث القطاع العام»، ولإعطائها الأهمية قام جلالة الملك بلقاء أعضائها وحُدِّد لهم فترة 6 أشهر لتقدم توصياتها له.
و يُبنى على هذه اللجنة آمال كبيرة بأن تضع خطة إدارية تشمل قواعد جديدة في التعيينات وتغيير في بعض القوانين والأنظمة التي تخدم مخرجات اللجنة، وستكون بغطاء ملكي يضمن مخرجاتها ويحفظها من التغيير في حال تغيير يطال الحكومة أو وزراءها.
ثالثًا- الجانب الاقتصادي؛ حيث يتم العمل الآن على وضع خطة اقتصادية شاملة يقوم عليها خبراء من القطاع العام والخاص تشمل وضع تصوّر كامل للمرحلة القادمة مرتبطة بمدد زمنية بحيث تكون عابرة للحكومات.
وتنظر الدولة الى هذه الخطة بأهمية كبيرة كون الوضع الاقتصادي هو أولى اهتمامات المواطنين وكذلك لفشل خطط حكومية سابقة هزت عنصر الثقة في أي خطط.
الملفت في هذه الخطط أيضاً أنها تكاملية؛ حيث التطوير السياسي يسير يداً بيد من التطوير الإداري والاقتصادي، وهذا الشيء إذا تم – كما يخطط له – ستكون نقلة نوعية في تطوير العمل الممنهج الذي تقوده الدولة بنفسها وتطبّقه الحكومات من خلال أذرعها التنفيذية.
كلنا أمل أن تكتمل هذه الخطط وأن نخرج من مزاجية الخطط الحكومية التي عانى منه الجميع ويكون هناك عقل مركزي ثابت لا يتغير بتغيير الأشخاص.