لابد من التفاهم المتبادل بين الآباء والابناء

تواصل الآباء مع الأبناء والإنصات لهم أمرٌ مهمٌّ للغاية -(ارشيفية)
تواصل الآباء مع الأبناء والإنصات لهم أمرٌ مهمٌّ للغاية -(ارشيفية)

عبد العزيز الخضراء*

عمان- إن أحد الأمور التي تحظى بأهمية خاصة في تربية الأبناء، هي شخصية الوالدين، فنحن نعرف بالتجربة أن الجميع يشعرون بالتواضع والاحترام والطاعة للأفراد ذوي الشخصية القوية، هؤلاء الأفراد الذين يتمتعون بشخصية متزنة، وبخصائص روحية وأخلاقية ممتازة يلقون آذاناً صاغية، ولهذا فهم لا يلجأون إلى الشدة أو الخشونة مع الأبناء، من أجل الوصول إلى مرادهم، وعادة فإن الشخص الفاقد لمثل هذه الخاصية (الشخصية القوية)، لا يعير أحدا أهمية لكلامه، فيعوض عن هذا النقص باستخدام الخشونة والشدّة....اضافة اعلان
إن الخصائص ذات الميزات الحسنة كالوقار، والاتزان، والحزم، والجدية، والامتناع عن التصرفات التافهة، وعدم الإكثار من المزاح، والثقة بالذات، والاعتماد على النفس، كل ذلك عوامل تستدعي احترام الآخرين لنا، ومن جملتهم الأبناء. ونشير إلى ظاهرة مؤسفة وملفتة للانتباه وهي أن بعض الآباء يقبلون تمادي أطفالهم عليهم، ونعتهم بأوصاف لا تليق، ويتصرفون مع آبائهم تصرفات لا تنم عن احترام، ولا يسمعون كلام الوالدين، في مثل هذه الأسر تكون أشعة التربية مشتتة، ويكون الأبوان قد فقدا دورهما كمربين.
إنه من الضروري جداً أن يتمتع الأبوان بهيبة ومقام في نفوس أولادهما، فإذا لم يحوزا مثل هذا؛ اعتبرهما الأبناء فاقدي الشخصية، وتصرفوا باستهتار بهما وبتعليماتهما، وواضح مقدار الضرر الذي سيتركه مثل هذا الشعور على الأبناء، حين يتحللون في تصرفاتهم من وضع أي حساب لآبائهم.
إن العلاقة بين الآباء وأبنائهم علاقة مبنية على المحبة والاحترام، ولست أجد مبرراً للخشونة والشدة قصد الرهبة والتوهم، اللذين يفرغان الروابط بين الآباء والأبناء من مضامين العاطفة والود. ويحولانها إلى روابط جافة وباردة.
من هنا نقول بأن تمتع الأب والأم بالكمالات الروحية للشخصية، يجعلهما يحوزان احترام أبنائهما، ومن الطبيعي أن الأبناء سوف يطيعون والديهما، وفي هذه الحالة يتقبلون توجيهاتهما.
إن التعامل الصادق المبني على الاحترام في نفس الوقت بين الأب والأم سوف يكسبهما احترام أولادهما، لذا ينصح الآباء بأن يحلوا مشاكلهم بروية وتفاهم تحت مظلة الأُسرة، فيديران شؤونهما بحكمة واتزان، لما لهما من أثر مباشر يرتد إيجاباً على سلوك الأولاد، إضافة إلى استقرار الأُسرة وشعور أفرادها بالطمأنينة.
علينا أن نبحث في العلاقات ما بين أفراد الأسرة باعتبارها وحدة واحدة، وليس مجرد علاقة أحد الأطفال بالأبوين، أو علاقة أحدهما بالأطفال جميعاً، وعلى هذا علينا أن ننظر إلى دور الأب كدور اختياري طوعي حين الحاجة إليه، مع قليل من الأخذ بيده وتدريبه وتثقيفه ثقافة أُسرية، وعندها يمكن أن يصبح أباً صالحاً، وهذا يتوقف على مدى رغبته في ذلك، وعلى عزمه على القيام بذلك، ومن هنا كان الأمر كله يتوقف على قرار الأب نفسه الذي يتخذه ويرغب فيه، ومدى الإرادة على القيام به وتنفيذه...
العلاقة بين الآباء والأبناء
هناك نوعان من العلاقة في الروابط الإنسانية:
1- العلاقة الرسمية: وتتسم قليلاً بالأدب والاحترام الظاهري، لكنها جافة ومن دون روح، وربما تكون خالية من الصفاء، مثل العلاقة الوظيفية المحضة، التي غالباً ما توجد بين الرئيس والمرؤوس، وربما اعتبر هذا النوع من العلاقات من الخصائص الأخلاقية والكمالات الإنسانية.
2- العلاقة الصميمية: وهي تستند إلى المحبة القلبية والتفاهم والثقة المتبادلة وإيجاد مثل هذه العلاقة مرهون بعدة شروط، من أهمها الصدق، والصفاء، والإخلاص، والتفاهم المتبادل، والرابطة الحقيقية، ونحن مع الذين تربطنا بهم علاقات صميمية، نشعر بالإطمئنان إليهم والسعادة بمعاشرتهم، ومن خصائصها أننا لا نتخوف من أبسط الأمور، التي تثير سوء التفاهم عند الطرف المقابل، فمثل هذه السجايا لا تتلبد، وإنما تمر عابرة من دون أن يُتَوَقَّف عندها. لأن القلوب صافية، أما في العلاقات العادية فالشخص يكون دائماً مضطراً لمراقبة أقواله وأفعاله، لكي لا يثار سوء تفاهم عند الطرف الآخر المقابل أو يؤذيه.
فإذا أراد الوالدان أن يبقيا أولادهما إلى جانبهما، ولا يسمحا للأمور البسيطة أن تقطع الارتباط النفسي لأبنائهما بهما، فلا بد من الاحتفاظ بعلاقة صميمية بين الآباء والأبناء. إن العلاقة المبنية على السلطة أو الاحترام الرسمي والآداب الظاهرية غير الحيوية، وغير الصادرة عن مشاعر ودّية وعميقة، لأنها لا تتوافر لها أرضية متينة من القناعات، لا تصمد كثيراً، وعلاوة على ذلك فإن وجود علاقة عميقة الود بين الوالدين والأبناء، يحوِّل أجواء البيت إلى ملجأ عاطفي وآمن للأبناء حيث يحققون فيه الاستقرار، ويشعرون بالأمن، ولا يبحثون عن ملاجئ أخرى، لأن الأبناء المحرومين في محيط البيت من العلاقات الروحية المتدفقة بالعاطفة يلجؤون إلى الصداقات الخطرة، أو مرافقة الجنس الآخر، لسد هذا النقص والحرمان ويصبحون طعماً للحوادث والانحرافات.
إن العلاقة الصميمية بين الآباء وأبنائهم، تهيئ جواً منزلياً مشبعاً بالعاطفة آمناً تخيم عليه السعادة والاستقرار، وهذا يعطي فرصاً إيجابية للتواصل بين الآباء والأبناء، حيث أنه في مثل هذا المناخ يتشجع الأبناء على عرض مشاكلهم وما يعترضهم على آبائهم، ومن يعرض قضية ينتظر عليها نصحاً وتوجيهاً، يتقبله ويعمل به بقناعة ورغبة ورضى، غير ذلك الذي تملى عليه النصائح يسمعها ولا يعمل بها.
وسبق أن ذكرت بأن على الآباء أن يفكروا بما يفكر فيه الأبناء، ويتعايشوا وكأن الطرفين من جيل واحد، فالآباء يتفهمون متطلبات جيل اليوم، وكيف يفكرون، فما كان مرفوضاً بالأمس قد يكون مقبولاً اليوم، والعربة لا تسير إلى الوراء، ومعطيات الحياة في تبدل وتطور مستمر، وهذا لا يعني المساس بالقواعد الأخلاقية والاجتماعية التي اقتنع بها المجتمع.. فلا بد من التعامل مع عوامل التغيير بنفس راضية حتى نستطيع مواكبة مسيرة نمو وبناء شخصيات الأبناء.

* كاتب وباحث تربوي