لا أعذار للدولة بعد الآن !

أما وقد انتهت الانتخابات النيابية للعام 2016، بحلوها ومرها وما شهدته من تجاوزات ومخالفات كاستخدام المال السياسي وشراء ذمم وتأخر إعلان النتائج الأولية، وأفرزت ما أفرزت من نواب سواء أكانوا حزبيين أو نقابيين أو أكاديميين ومثقفين أو رجال أعمال أو أبناء عشائر، فإن الكرة الآن بمعلب الدولة ولا عذر لها بإيجاد قانون انتخاب عصري ديمقراطي يتم من خلاله الوصول إلى حكومات برلمانية.اضافة اعلان
فالمتتبع لنتائج انتخابات مجلس النواب الثامن عشر، يتيقن بأن تلك الهواجس التي كانت تتخوف منها الدولة ما هي إلا فقاعات إن لم تكن أكاذيب، والتي من أهمها الخوف من سيطرة الإسلاميين على مقاعد مجلس النواب، وعلى رأسهم حزب جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين (الأم).
إلى جانب أن قانون الانتخاب الحالي، أدى إلى إيجاد منافسات داخلية حادة بين أعضاء القائمة الواحدة ما أضر بتماسكها في أحيان كثيرة، بالإضافة إلى ضعف ناخبين في التعامل مع آلية الإدلاء بصوتهم على كتيبات الاقتراع، حيث أظهر تقرير لبرنامج مراقبة أداء المجالس المنتخبة "راصد" أن نسبة الأصوات غير المحتسبة التي وجدت في صناديق الاقتراع بلغت 4.7 %.
فقد أظهرت النتائج بأن أعضاء "العمل الإسلامي" الذين خاضوا الانتخابات لم يتمكنوا إلا من الحصول على 8 مقاعد نيابية، من بينها مقعد من خلال الـ"كوتا" النسائية، ولم يتمكنوا من اجتياز الـ15 مقعداً بالتشارك مع حلفائهم تحت اسم التحالف الوطني للإصلاح الذي بلغ عدد مرشحيه الـ118 مرشحاً ومرشحة، من بينهم 70 عضوا من الحزب.
إن حصول الحزب على هذه المقاعد النيابية القليلة، يبعث برسالتين؛ الأولى إلى الدولة بأن "العمل الإسلامي" مع كل ما يتمتع به من شعبية واسعة، إلا أنه لم يستطع حصد ربع المقاعد النيابية، والبالغ عددها 130 مقعداً، وبالتالي عليها أن تعمل بالتعاون والتشارك مع السلطة التشريعية لإيجاد قانون انتخاب يتعدى السلبيات الموجودة بالقانون الحالي، ويعتمد  القائمة الوطنية المغلقة إن لم تكن على مستوى الوطن فلتكن على مستوى الإقليم الواحد أو المحافظة الواحدة، وإن كنا ضد الأخيرتين كونهما تكرسان العشائرية والمناطقية الضيفة وتفتتان النسيج الاجتماعي وتثيران نزاعات داخل المكوّن الوطني الواحد.
ولا نجد الآن مبرراً واحداً لعدم التفكير جدياً بذلك، لتكون محطة البداية لتحوّل ديمقراطي حقيقي، وخصوصاً أنه يبعدنا أشهرا قليلة فقط على استحاقات انتخابات المجالس البلدية والمحافظات.
أما الرسالة الثانية فهي موجهة للحزب نفسه، ومفادها بأنه يجب عليه أن يعيد حساباته وألوياته، فحصوله على عدد بسيط من المقاعد النيابية، رغم ما يتمتع به من تنظيم وإدارة تعجز عنها كثير من الأحزاب والمؤسسات، يعتبر ضربة ليست بسهلة له ولمسيرته التي امتدت لعشرات الأعوام، فضلاً عن أن ذلك يعني بأن شعبيته قد وصلت إلى مرحلة لا يُستهان بها.
فعليه أن يعيد ترتيب بيته الداخلي وإنهاء ما تعرض إليه من أزمات وانشقاقات كادت تطيح بمسيرة 70 عاماً من العمل السياسي والاجتماعي.
وهناك رسالة أخرى موجهة إلى الدولة من ناحية أخرى، وهي أن هذا المكون قد قرر بمشاركته بالانتخابات وفوزه بمقاعد نيابية الولوج إلى مرحلة جديدة مع الدولة، وكأن لسان حاله يقول "ها نحن نمد أيدينا، ومستعدون لطي الصفحة الماضية".
يبقى الأمل معقودا على مجلس النواب الثامن عشر، الذي انضم إليه 74 نائبا جديداً، أن يصر ويقاتل من أجل إيجاد قانون انتخاب دائم خال من كل السلبيات التي تضمنته قوانين الانتخاب السابقة، وبالتالي دولة ديمقراطية.