لا اتفاق بدون التنازل عن حق العودة

هآرتس

عادي شفارتس

القيادة الفلسطينية عبرت اكثر من مرة عن استعدادها للتنازل بشأن عودة اللاجئين إلى إسرائيل، هكذا كتب ديمتري شومسكي ("هآرتس"، 10/10). ويمس بصلب الموضوع: مسألة العودة، ومعها "مشكلة اللاجئين"، المتعلقتان بالروح العميقة جدا للطرفين. للأسف الشديد، الموقف الفلسطيني بقي كما كان في 1949، كل فلسطيني يريد العودة يمكنه القيام بذلك. اضافة اعلان
الموقف الفلسطيني الرسمي الآن هو أنه يجب التوصل إلى "حل عادل ومتفق عليه" لمشكلة اللاجئين، "على اساس القرار 194 للامم المتحدة". مفهوم "حل عادل" من شأنه أن يبدو محايدا، ولكن من الخطابات المتكررة لمحمود عباس يمكن الاستنتاج أن "العدل" حسب رأيه، ساد هنا حتى 1948.
اجل، في خطاب له في الجمعية العمومية في 2017، طلب عباس من بريطانيا الاعتذار عن "الظلم الذي اوقعه على الشعب الفلسطيني تصريح بلفور". كما طلب من اسبانيا الاعتراف بدولة فلسطين، وشرح بأنه وقع على الفلسطينيين "ظلم تاريخي" في 1948، وأمثلة كهذه يوجد منها الكثير. اذا كان تصريح بلفور واقامة دولة إسرائيل هي ظلم في نظر عباس، يوجد هنا اكثر من اشارة إلى أن العدل الذي قصده هو أن تكف هذه الدولة عن الوجود.
مفهوم "حل متفق عليه" أكثر تضليلا، حيث أنه يظهر منه ظاهريا أنه سيكون لدولة إسرائيل حق فيتو. من المعروف أن إسرائيل لن توافق على أن تستوعب في حدودها عدد كبير من العائدين. ولهذا من الواضح، هكذا قيل، أن هذا الموقف يتضمن فهما فلسطينيا بأن عددهم الفعلي سيكون مقلصا. هذا التفسير يتجاهل الموقف الفلسطيني المبدئي الذي يقول إنه لكل واحد من الـ 5.4 مليون فلسطيني المسجلين في الاونروا كلاجئين، حق شخصي في العودة إلى إسرائيل.
هذا الحق غير قابل للتفاوض، لأنه حق طبيعي ليس لأي حكومة أو أي جهة تمثيلية اخرى الصلاحية في التنازل عنه. أي أنه حتى اذا تقرر في اطار اتفاق سلام بشأن اعطاء امكانية دخول إلى إسرائيل لنحو 100 ألف فلسطيني، فليس في ذلك ما ينتقص من حق باقي ملايين الفلسطينيين من المطالبة بالعودة. هم يمكنهم القيام بذلك عبر طرق قانونية (في محاكم في البلاد أو في الخارج)، بوسائل عنيفة أو ببساطة بمسيرات نحو الحدود. مهما كان الامر، هذا "الحق" سيكون محفوظا لهم على الاقل في نظرهم. من الواضح أن هذا الموقف يبقي النزاع مفتوحا.
محمود عباس الذي يقتبس كثيرون مقولته بأنه يرغب في زيارة صفد، مسقط رأسه، كسائح، سارع إلى التوضيح بأنه تحدث باسمه الشخصي. وأن لأولاده واحفاده الحق في العودة إلى إسرائيل. واذا كان هذا الامر يسري على عائلته فبالتأكيد سيسري على باقي الفلسطينيين. هذا موقف متسق: في البرنامج التلفزيون في قناة "الجزيرة" في نهاية التسعينيات قالت امرأة من عمان، وهي ابنة لعائلة لاجئين من يافا، إن ياسر عرفات ليس محاميها، وأنها لم تمنحه تفويض للتفاوض باسمها بشأن املاك عائلتها في يافا. لذلك فإن مفهوم "متفق عليه" لا يعبر عن أي تنازل.
الاشارة إلى قرار 194 في الموقف الرسمي الفلسطيني اكثر وضوحا، حيث أن التفسير الفلسطيني لهذا القرار هو أنه يمنح حق العودة للفلسطينيين إلى داخل حدود دولة إسرائيل رغم الاتفاق الواسع بين القانونيين بأنه ليس لهذا أي أساس. من يريد التنازل لم يكن ليشير إلى القرار 194.
احيانا يضيف زعماء فلسطينيون صيغ ضبابية، تُفسر في إسرائيل والغرب على أنها تنازل عن المطالبة بالعودة. مثل هذه على سبيل المثال هي الاضافات "دون المس بالطابع اليهودي لإسرائيل" أو "مع الاخذ بالاعتبار للاحتياجات الديمغرافية لإسرائيل". ولكن خلف هذه الاقوال هناك تضليل، حيث أن دخول بضعة ملايين من الفلسطينيين إلى إسرائيل سيبقيها ذات اغلبية يهودية.
هذا ليس تخميني. في وثائق داخلية لطاقم المفاوضات الفلسطيني، التي نشرت قبل بضع سنوات في صحيفة "الغارديان"، اشار إلى ذلك اعضاء طاقم المفاوضات بشكل صريح. إنهم يرهقون أنفسهم بالنقاشات فيما بينهم من اجل ايجاد اكبر عدد يسمح لإسرائيل بالبقاء ذات اغلبية يهودية (أي فيها اكثر من 50 في المائة من اليهود).
لهذه الغاية قاموا باستدعاء بحث ديمغرافي، الذي كشفنا عنه أنا وزميلتي د. عنات وولف، والذي بحسبه حتى اذا كانت عودة لمليوني فلسطيني إلى إسرائيل، فسيبقى فيها اكثر من 60 في المائة يهود. هذا ليس سوى أن المفاهيم الضبابية هذه استهدفت زرع الشعور بأن الفلسطينيين قد تنازلوا، دون قيامهم بذلك حقا. من قراءة مقال شومسكي يبدو أن الفلسطينيين حققوا هدفهم.
الفلسطينيون يجب عليهم الادراك بأنهم اذا ارادوا اقامة دولة مستقلة خاصة بهم، يجب عليهم القول بصورة واضحة إنه لن تكون عودة للاجئين واحفادهم إلى داخل إسرائيل. كل افتراض بهذا الشأن أو تسهيل باسم الاهتمام بالاحتياجات الفلسطينية ليست سوى خداع للنفس.