لا تتسرعوا في إقرار قانون ضريبة الدخل

 

أعلن وزير المالية أخيرا بأن النية تتجه لخوض جولة أخرى لتعديل قانون ضريبة الدخل وأبرز ملامحها تخفيض الضريبة على القطاع المالي (البنوك) من 35% إلى 25% وتوحيدها على مجموعة أخرى من القطاعات الاقتصادية.

اضافة اعلان

 وقانون ضريبة الدخل هو أحد أهم الوسائل المالية التي ترفد خزينة الدولة أينما كانت، لكنها في نفس الوقت تعبر عن فلسفة الحكم ونظرته إلى القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية وعدالته في تحميل المواطنين أعباءها، استنادا إلى مقولة "إن الحكومة تصرف من جيوب مواطنيها"، لذلك كان أي تعديل على هيكل القوانين الضريبية يخضع لنقاش وحوار بين مؤسسات الحكم وسلطاته التشريعية والتنفيذية والقضائية، وبين قطاعاته الإنتاجية المختلفة، ليصل في النهاية إلى توافق يخدم الوطن، ويديم رفاه المواطن.

من هنا نستطيع أن نفهم لماذا أصبح التهرب الضريبي، في معظم الدول جريمة، ولماذا كان الموضوع الضريبي والتزام المواطن ومن يتولى العمل العام مؤشرا للحكم عليه، وسيفا مصلتا على رقبة المسؤول العام، أو المرشح لتولي منصب عام، وهذا ما رأيناه وتكرر عندما رشح الرئيس الأميركي بعض الشخصيات لتولي مناصب وزارية أو مناصب مهمة في إدارته، ليضطر لاحقا لسحبها تحت ضربات الاتهام بأن الأسماء المرشحة لم تلتزم تماما بدفع ما عليها من ضرائب، أو تأخرت في دفعها.

وإلى أن نصل في الأردن إلى مستوى متقدم من الشفافية والمساءلة التي يستطيع من خلالها المواطن العادي أو عضو مجلس النواب أن يوجه إصبع الاتهام لمن يشغل المنصب العام وفق آلية مستقرة ومتفق عليها، تبقى الحكومة أولا والسلطة التشريعية ثانيا هما السلطتان اللتان تملكان قرار التشريع وأهم مكوناته القوانين الضريبية وما يستحق على المواطن والقطاعات الاقتصادية من التزامات تؤديها.

وقد نفذ الأردن خلال العقد الماضي سياسة خصخصة، كانت إحدى نتائجها نجاح القطاع الخاص، الأردني والإقليمي والعالمي في شراء جواهر الاقتصاد الأردني من إسمنت وفوسفات وبوتاس وطيران إلى آخر القائمة، هذا في نفس الوقت الذي أستطيع معه القول إن القطاع المصرفي الأردني مخصخص قبل أن يبدأ برنامج الخصخصة الأردني، حيث مارس الأردن سياسة الاقتصاد المختلط منذ نشأته، خلافا للفكر السائد في تلك الحقبة من الزمن إقليميا ودوليا.

 واتجه نحو الفكر الاقتصادي الليبرالي المنضبط كنهج اقتصادي، حماه ورسخ كيانه، وضمن شراكة القطاع العام مع الخاص قبل أن تتكرم علينا مؤسسات الفكر الدولية بنماذج الشراكة بين القطاعين العام والخاص كاختراع توصلوا إليه في القرن الحادي والعشرين.

وكان من نتائج برنامج الخصخصة الأردني، تراجع دور الدولة الاقتصادي، تنفيذا لمقولات حصر دورها في "التشريع والرقابة والأمن والدفاع"، في نفس الوقت، تقوية دور القطاع الخاص، ترجمة للمقولة ذاتها.

وتشير إحصائيات 2005- 2006 أن 10% من الأميركيين يستحوذون على أكثر من 70% من ثروة المجتمع، ويتركون (30%) لباقي الشعب الذي يمثل (90%)، وتشير نفس التقارير إلى ارتفاع معدلات تركز الثروة في معظم دول أوروبا، ما زاد الفوارق الطبقية عمقا وأدى إلى ارتفاع معدلات الفقر فيها، وتشير نفس الإحصائيات إلى تراجع نسبة الطبقة الوسطى فيها من 62% عام 2000 إلى 54% في العام 2006، وارتفاع نسبة المهددين بالفقر من 12% إلى 17% في بريطانيا و 18% في إيطاليا.

يكفينا ما لدينا من الفقر، وما لدينا من تركز الثروة، واسمعوا الى صرخات المواطن الإيطالي والفرنسي التي وصل دويها إلى لندن واجتماع مجموعة العشرين.

قانون ضريبة الدخل قانون استقرار سياسي واقتصادي واجتماعي، قبل أن يكون قانون جباية مالية، فلا تتعجلوا في تعديله.

[email protected]