لا تقتلوا حقنا.. وجود النواب استحقاق دستوري

إثر صدور إرادة ملكية بفض الدورة العادية الرابعة لمجلس الأمة الثامن عشر، دون حل المجلس، ظهرت أصوات عبر الفضاء الإلكتروني، تطالب وتدعو للتخلص من البرلمان نهائيا، وتقول (لا نريد مجلس نواب)، وأخرى تدعو لوقف مكافأة النواب، وثالثة تستحضر تصريحات لنائب أو اثنين للهجوم على مؤسسة البرلمان.اضافة اعلان
ربما لا تشكل تلك الأصوات أثرا على أرض الواقع، ولا تعبر عن رأي غالبية الناس، فتلك الأصوات لا نراها إلا على محركات العالم الافتراضي (فيسبوك، تويتر، واتساب)، بيد أن ترك أولئك يشوهون مؤسسة دستورية ويستسهلون الهجوم عليها يجب أن يتوقف، فهناك فرق بين نقد أداء النواب والمطالبة بالتجويد، وهذا حق للجميع، وبين من يريد هدم ركن من أركان الدولة سواء بقصد أو غير قصد، فمؤسسة البرلمان ركن أساسي في نظام الحكم الذي يقول في مادته الدستورية ان الحكم (نيابي ملكي وراثي)، وتلك مادة يتوجب الحفاظ عليها وتقويتها وعدم التفريط بها تحت أي ظرف، والوقوف في وجه أؤلئك الذين يريدون انتزاع حق نص عليه الدستور، ولذا فانني أميل الى عدم تبرئة نوايا أولئك الذين يقولون بعدم حاجتنا للبرلمان وأراها دعوة تخرج من رؤى متكلسة تهدف لإعادتنا للوراء عشرات السنين، فمجلس النواب ليس ترفا أو منة، وإنما هو استحقاق دستوري.
وبين تأييد حقنا في نقد أداء النواب أو بعضهم، والمطالبة بالتجويد، بيد أن النقد والعتب لا يجعلنا نرى مؤسسة البرلمان التشريعية والدستورية ترفا زائدا ونطالب بالتخلص منها، فتلك المؤسسة ليست إحدى الوحدات المستقلة، او دائرة حكومية يمكن دمجها مع أخرى وإنما هي مؤسسة دستورية سعينا اليها ونريدها ونعمل على تمتينها بقوة، ولذا فهي ليست حملا زائدا يمكن الاستغناء عنه في أي لحظة وإنما ركن أساسي في نظام الحكم، وأي دعوة تقول بعدم رغبتنا في وجود برلمان إنما الهدف منها جرنا للوراء وإعادتنا لمربعنا الأول الذي كنّا فيه نبحث عن تشكيل مؤسساتنا الدستورية، فحق النقد أو عدم الإعجاب بأداء نائب ما أو عدد من النواب، لا يدفعنا للتضحية بمؤسسة تشريعية والقول إننا لا نريدها، فأداء النواب من حيث القوة والضعف مرتبط بمشاركتنا في صندوق الاقتراع، كما أن عزوف البعض عن الانتخاب والمشاركة لا يعطي الحق لأؤلئك بمهاجمة مؤسسة دفع بعضنا الكثير من حريتهم للوصول اليها.
فتجويد أداء المجلس وتقويته يكون من خلال المشاركة الكثيفة في الاقتراع واختيار المرشح الأفضل بعيدا عن المناطقية والعشائرية وقرابة الدم والسكن، واختيار المرشح المناسب والبرنامج الذي يعبر عن الناس وطموحاتهم، إما أن نختار بالشكل الذي اعتدنا الاختيار فيه وبعد نصف عام من الانتخاب نكيل للنواب شتى أنواع النقد، فان ذاك سيضعف مؤسستنا الدستورية ويجعلها غير قادرة على القيام بدورها التشريعي والرقابي الذي نص عليه الدستور.
قد أمتلك شخصيا الكثير من الملاحظات على أداء بعض نواب المجلس الحالي، ولكن الأصل أن نرى الجزء الممتلئ من الكأس وليس الفارغ منها، فالنقد لجهة تقوية الأداء وتعزيز قوة وحضور مؤسستنا التشريعية طبيعي ومطلوب، اما النقد الذي يصل لحد تجريح الناس والاعتداء على سلطة دستورية فهذا هو النقد غير الفعّال الذي يهدف لبعثرة الأوراق وإدامة المرحلة الرمادية في عمر دولتنا.
المؤسف أننا ونحن نطالع الشبكة العنكبوتية يبهرك البعض بمداخلات ليس لها منطق سياسي، والأنكى أن أؤلئك الذين يتسيدون المشهد حاليا كانوا يدفنون رؤوسهم في الرمال عندما كان البعض يطالب بعودة الحياة البرلمانية وإجراء انتخابات تشريعية، وهم اليوم الذين يهاجمون مؤسسة البرلمان كسلطة دستورية، وهم الذين يطالبون بحل البرلمان وعدم وجوده، وكأنهم يريدون صياغة رأي عام لا يؤمن بالسلطة التشريعية ويتمرد عليها.