لا ديمقراطية من دون ديمقراطيين

إن العنوان الرئيسي للحراك الشعبي الأردني في شقه السياسي هو الولوج إلى دولة ديمقراطية متقدمة، تتجاوز البدايات المتواضعة والمترددة للتحول الديمقراطي بالأردن والتي كانت انتخابات العام 1989 بداية انطلاقتها. ولكن في خضم هذا الحراك السياسي المطالب بالإصلاحات السياسية من خلال الشعارات المختلفة، كالمطالبة بمكافحة الفساد وتغيير قانون الانتخاب والتعديلات الدستورية، لم تدخل القوى السياسية بتلاوينها كافة، المعارضة والموالية، في نقاش حول ماهية الديمقراطية التي نريد من حيث المحتوى وليس من حيث الهياكل أو البنى المؤطرة للديمقراطية.
إنه لمن نافل القول أنه لا ديمقراطية من دون انتخابات حرة ونزيهة تكون نتائجها انعكاسا لإرادة الناخبين، ولا ديمقراطية من دون حكومات خاضعة للمساءلة والمحاسبة من قبل ممثلي الشعب، ولا ديمقراطية من دون المساواة بين المواطنين كافة في الحقوق والواجبات. رغم أن الديمقراطية تشمل كل ذلك، ولكن ليس ذلك فقط.
فالديمقراطية هي نهج حياة وثقافة تتناقض مع الثقافة السلطوية، ليس بالمفهوم السياسي فقط وإنما بالمفهوم الاجتماعي أيضا. أي أن الديمقراطية ليست انتخابات حرة ونزيهة، رغم أنه لا ديمقراطية من دونها، فهي أيضا ثقافة تقوم على احترام الحريات الشخصية والاعتراف بالتنوع والقبول بحق الاختلاف والتعامل معه بالطرق القانونية والسلمية.
والسؤال المشروع في هذا السياق هو: هل لدينا حركات سياسية أو أحزاب سياسية لديها مشروع ديمقراطي استراتيجي له قاعدة اجتماعية وطبقية تحمله وتمثله وتدافع عنه وتحاول أن تنجزه؟ أو بعبارة أخرى، هل لدينا قوة دفع اجتماعية سياسية تحمل المشروع الديمقراطي المنشود وتدفع باتجاه إنجازه بالطرق السلمية؟
إن الإجابة عن ذلك السؤال استنادا على الحراك السياسي الحالي ومستوى النقاش الدائر هي، وللأسف، بالنفي.
إن مجمل الفاعلين السياسيين في المرحلة الحالية يستندون إلى أيديولوجيات شمولية، سواء كانت على أساس ديني أو قومي أو عقائدي علماني. وهذا ليس انتقاصا من الأيديولوجيات التي تحملها هذه القوى، وإنما للإشارة إلى طبيعة الفكر الذي يحكم حراكها المطلبي.
بالإضافة إلى هذه القوى، هناك قوى أو فئات اجتماعية ذات مطالب وتوجهات ديمقراطية ولكنها ليست مؤطرة سياسيا، وبالتالي لا تستند إلى أساس فكري ديمقراطي يحمل مشروعا ديمقراطيا واضح المعالم.
إن الحركات المشار إليها سابقا لم تشهد هي نفسها تحولا جذريا واضحا ومعلنا للمجتمع نحو الديمقراطية، ولم تقم بالإفصاح عن ماهية مشروعها الديمقراطي، وحتى الآن لا توجد دلائل بأن الرؤية الديمقراطية قد اكتملت لدى هذه القوى. لذلك، فإن أغلب مطالبها تقتصر على تغيير البنى والهياكل التي تؤمن لهم مشاركة أكثر. وهذا مشروع، ولكن لا ضمانة بأنهم سيكونون أكثر ديمقراطية من النخب الحاكمة الحالية.
إن التحول الديمقراطي بحاجة إلى قوى ديمقراطية وإلى ديمقراطيين يحملون المشروع ويدافعون عن مبادئه؛ فلا ديمقراطية من دون ديمقراطيين، ولكن على العكس فقد أبدى العديد من قادة المعارضة، بما فيها الشبابية، نزقا وسلطوية وعدم تقبل أو تحمل للرأي الآخر غير مسبوق، ويتصرفون وكأنهم يمتلكون الحقيقة وحدهم.
إن ما تقدم لا يعني أنه يجب التباطؤ في العملية الإصلاحية، لا بل على العكس، لأن الإصلاح السياسي سوف يؤدي إلى فرز قوى ديمقراطية جديدة، ويعزز من التوجهات الديمقراطية لدى البعض حاليا. وإنما أردت التأكيد على أن التحول إلى الديمقراطية هو مخاض سياسي واجتماعي قد يكون عسيرا وطويلا، وأن تغيير القوانين الناظمة وحده غير كاف للحصول على مجتمع ديمقراطي.

اضافة اعلان

[email protected]