لا مساس بالفقراء!

مع كل جولة رفع لأسعار المشتقات النفطية، تمطرنا الحكومة بتصريحات أن قرارات الرفع لن تمس شرائح الفقراء، وكأن هذا التصريح السحري سيجنب تلك الفئات المحرومة آثارا سلبية تتحقق بعد مضي ساعات على تصريح المسؤول الذي لا صلة له بالواقع، أو أنه يعرف حقائق الأمور لكنه يمارس التضليل.اضافة اعلان
التقديرات الأولية تشير إلى أن عوائد الخزينة جراء رفع أسعار البنزين والكهرباء ستفوق 400 مليون دينار سنويا. ولا أحسب أن هذا الرقم كاف لحل أزمة السيولة المتفاقمة في البلاد والخزينة، لكن أحدا لم يخبرنا من أعضاء الفريق الاقتصادي الحكومي عن التشوه الذي طال وسيطال أكثر معادلة العرض والطلب في سوق المشتقات النفطية، لاسيما بعد البون الواضح بين صنفي البنزين، وعقب ارتفاع كلفة الطاقة عموما على المؤسسات الإنتاجية والصناعية والخدمية.
أسعار الكهرباء رفعت مرتين في الأسبوعين الماضيين، واتجه قرارا الرفع إلى شريحة مستخدمي الكهرباء لأكثر من 2000 كيلو واط/ ساعة شهريا، وهي فئة المؤسسات والمنشآت الإنتاجية والخدمية والصناعية، ولم يقل لنا المسؤولون الحريصون على سلامة أحوال الفقراء، ما هي تداعيات رفع أسعار الكهرباء بنسب تفوق 20 % على تلك المؤسسات والمنشآت. حتما ستكون على حساب الفقراء وذوي الدخل المحدود، بعد أن يتم الاستغناء عن عدد من العمال والموظفين في سياق عملية خفض الكلفة انسجاما مع ارتفاعها على منتجات وخدمات القطاعات الصناعية والخدمية.
فعلا، بدأت نذر قرارات الحكومة برفع أسعار الكهرباء عبر تصريحات مسؤولين وأصحاب فنادق ومطاعم وقطاعات تجارية، مفادها أن أسعار منتجاتهم وخدماتهم سترتفع، وأنهم سيلجأون قريبا إلى تسريح عدد من العاملين في القطاع الخاص للتكيف مع ارتفاع كلفة منتجاتهم وزيادة عبء التشغيل على ميزانياتهم. وهنا نذكر الحكومة أن من سيتم تسريحهم ليسوا أثرياء أو من الطبقة الوسطى التي تلاشت أو تكاد، وإنما من الفقراء وذوي الدخل المحدود.
القطاعان العام والخاص خصمان حقيقيان للمواطن والمستهلك بموجب المعادلة الآنفة؛ فالحكومة تستمرئ رفع أسعار البنزين والكهرباء وتدعي أن ذلك لن يمس الفقراء ومحدودي الدخل، بينما يتأهب على الجهة المقابلة مسؤولو القطاع الخاص لتسريح العمال. وفي النهاية، سترتفع أسعار السلع والخدمات على المستهلكين، وسيكون المواطنون في نهاية مسلسل التداعي هذا -لاسيما الفقراء- هم من سيدفع ثمن تلك القرارات.
ومع اقتراب شهر رمضان، فإن سلة من أسعار السلع والخدمات سترتفع على نحو اعتيادي قبيل الشهر الذي يشهد الطلب فيه زيادة كبيرة. وإذا علمنا أن كلفة الطاقة عقب رفع أسعارها، على منتجات الكثير من الصناعات والخدمات قد ارتفعت، فإن رفع الأسعار قبل رمضان سيكون حتميا؛ بمعنى أن المستهلك سيكون أمام موجتي ارتفاع للأسعار، والتوقعات أن تتصاعد موجات الغلاء لتصل إلى حالة غلاء لا يقوى معها المستهلك، بقدراته الحالية، على الصمود. ولا يبدو في الأفق أي حلول لمساعدة الفئات الفقيرة، وكل ما يتواتر من تصريحات لدعم مزعوم ليس إلا جانبا من محاولات دعائية لكسب الرأي العام، لكن دون جدوى.
العامل الأخلاقي أساسي وضروري في التعامل مع الشعوب. والحكومات التي تدعي أنها شفافة وصادقة عليها أن لا تخدع الشعب بتصريحات لا تصمد ساعات فقط بعد كل قرار لرفع أسعار الطاقة. وإذا كانت الحكومة لا تعلم حقيقة ما يجري، فلتقم بإجراء دراسة ميدانية لرصد سلوك وردات فعل القطاعات الاقتصادية بسبب رفع أسعار الكهرباء وبعض المشتقات النفطية. ولتقم أيضا بإحصاء عدد من فقدوا وظائفهم بعد القرارات الحكومية. وإذا كان لديها جرأة أكبر، فلتقم بإجراء دراسة أو استطلاع عن مدى ثقة الشعب بها وبقراراتها.

[email protected]