"لا يموت الذيب ولا تفنى الغنم"!

لجأت الحكومة إلى مصطلح "مزايا خدماتية"، بدلاً من مصطلح "الحقوق المدنية" لأبناء الأردنيات المتزوجات من غير أردنيين، كسلوكٍ براغماتي ذكيّ لتخفيف حدّة الاستقطاب والسجال القائمين؛ على قاعدة: "لا يموت الذيب ولا تفنى الغنم"!اضافة اعلان
إلا أنّ ذلك المثل الأردني الذي يختزل تفكيراً واقعياً، على قاعدة المُمكن، لا يمثّل الحلّ أو الجواب دائماً في القضايا المطروحة جميعاً؛ إذ يصطدم في بعض الأوقات بموضوعات رمزية وقيمية، مثلما حدث مع موضوع أبناء الأردنيات، والذي يتجاوز محاولة التذليل الواقعي للمشكلات التي تواجههم، وتسهيل الحياة اليومية لهم، إلى التماس المباشر مع قيمة المواطنة والمساواة الدستورية بين الرجل والمرأة.
ولعلّ ما نظر إليه بعض السياسيين على أنّه أمرٌ شكلي، تنظر إليه نساء أردنيات على أنّه جوهري وأساسي. فاستبدال مصطلح "المزايا الخدماتية" بـ"الحقوق المدنية"، أثار بحدّ ذاته امتعاضاً لدى الحقوقيات، وشعوراً بالجرح من أنّ الحكومة تستكثر على الأردنية أن يكون لأبنائها "حقّ مدنيّ"، وهو الحدّ الأدنى من الحقوق الدستورية والقانونية الشرعية لها!
يستند هذا الرأي إلى أنّ الدستور هو من يضع المرأة في مرتبة المساواة مع الرجل، وكذلك القوانين والمعايير الدولية؛ أما الحديث عن "مزايا خدماتية" بدلاً من مصطلح "الحقوق"، فهو بمثابة هروب من واجب الدولة تجاه مواطناتها، وانتقاص واختزال لمواطنتهن، فكأنّ هذه "المزايا" هي مِنّة أو أعطية من الدولة، لا حقّاً أساسياً للمواطنات الأردنيات!
ربما نفهم، تماماً، لجوء الحكومة إلى "ممرّات آمنة" لتتجنّب الاصطدام مع "أصحاب الرؤوس الحامية" في البرلمان، وفي المشهد السياسي. لكنّ ما تقدّمه وجهة النظر السابقة يتوافر على منطق محترم معتبر، أكبر من المنطق الحكومي البراغماتي؛ إذ إنّ إقرار الحقوق والواجبات، والسير نحو تكريس قيم المواطنة والديمقراطية ودولة القانون، بحاجة إلى خطاب إصلاحي واضح وجريء.
طالما أنّنا فصلنا الحقوق المدنية عن السياسية، بذريعة التركيبة الديمغرافية المعقّدة؛ وطالما أنّنا حدّدنا الحقوق المدنية المطروحة في سياقات واضحة وعلنية، وفصلنا بوضوح هذه الحقوق عن "شبهات التجنيس"؛ فإنّ ما نسمعه من الطرف المعارض لهذه الحقوق لا يعدو كونه دعاية مكرورة مجترّة، أشبه بـ"الفزّاعات"، ولغة مسكونة بالتعصّب والمبالغة والتهويل!
يرى النائب السابق والخبير القانوني مبارك أبو يامين، أنّ مثل هذه الحقوق لا يجوز التعامل معها بمنطق الأنظمة والتعليمات والاجتهادات الإدارية؛ فالمفروض أن يكون هنالك قانون-تشريع واضح محدّد، يؤطر الحقوق والواجبات، ويوضّحها بصورة حاسمة. ويكون هنالك توضيح موازٍ بأنّ ذلك لا يعني التجنيس. فتنتهي المشكلة من جذورها، بدلاً من الدوران في المناطق الرمادية!
المفارقة أنّ معارضة تلك الحقوق تأتي على قاعدة التزامن بين خطة وزير الخارجية الأميركي جون كيري، والحديث عنها، وعن ضغوط أميركية باتجاه التجنيس، بالرغم من أنّ الحديث عن حقوق مدنية واضح لا لبس فيه، وبعيد كل البعد عن الحقوق السياسية أو التجنيس والتوطين؛ بل هو حلّ عادل اعتذاري من الدولة للمواطنة الأردنية، وهو ما يمكن تقديمه ضمن الحالة الاستثنائية المعقّدة القائمة.
ثمّة تيار يتحجّج بتوقيت الموضوع، ويضعه في سياق المناكفة مع المبادرة النيابية، أو تصفية حسابات شخصية. وفي ذلك خلط كبير غير موضوعي، وتغليب لاعتبارات إجرائية آنية على موضوع قيمي أساسي!
وثمّة تيار آخر يستخدم فزّاعة الهوية والوطن البديل والتوطين لممانعة ليس فقط الحقوق المدنية لأبناء الأردنيات، بل حتى في وجه الإصلاح السياسي بأسره، وضد الدولة المدنية، وضد قانون الانتخاب. ومثل هذا التيار، الذي يتشعب إلى روافد متعددة، منها ما هو يميني وما هو محافظ، لا يعدنا بدولة مدنية ديمقراطية، تقوم على المواطنة وسيادة القانون، بل يريدنا أن نعود إلى مرحلة ما قبل الدولة نفسها، كي نحمي الدولة!

m_rumman@