لا ينبغي أن تكون غزة عائمة في المياه العادمة

طالبات فلسطينيات يحاولن اجتياز الطرق الغارقة في مياه المجاري إلى مدارسهن في غزة - (أرشيفية)
طالبات فلسطينيات يحاولن اجتياز الطرق الغارقة في مياه المجاري إلى مدارسهن في غزة - (أرشيفية)

ألون تال*، ويوسف أبو ميالة* - (نيويورك تايمز) 2/12/2013

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

على مدى عقدين من الزمن، وضع علماء البيئة الفلسطينيون والإسرائيليون خلافاتهم جانباً، واشتركوا في توجه الدعوة إلى اتخاذ تدابير عاجلة لمعالجة أزمة المياه الوشيكة في قطاع غزة. لكن هذه الدعوات ذهبت أدراج الرياح. واليوم، يدفع سكان غزة البالغ عددهم 1.7 مليون نسمة ثمن التقاعس عن العمل، والصراع المطول، والسياسات غير القابلة للاستدامة والتطبيق، ويواجه هؤلاء السكان الآن ظروفاً كارثية بسبب انهيار نظام الصرف الصحي في غزة.اضافة اعلان
منذ الحصار الإسرائيلي والمصري، لم يكن في غزة وقود كاف لإدامة إمدادات الكهرباء والإبقاء على 290 من مرافق المياه والصرف الصحي عاملة. وترفض حكومة حماس شراء الوقود البديل، لأن الضرائب المفروضة على هذه السلعة تذهب إلى السلطة الفلسطينية المنافسة التي تسيطر عليها فتح في الضفة الغربية. ونتيجة لذلك، توقفت محطات الضخ عن العمل في شهر تشرين الثاني (نوفمبر)، وأصبحت العديد من الشوارع في جنوب مدينة غزة الآن غارقة في الفضلات البشرية.
الآن، أصبح يترتب على السكان حماية منازلهم بالأكياس المعبأة بالرمل حتى لا تتعرض للغرق بسبب مياه المجاري غير المعالجة. هناك الرائحة لا تطاق. ومع تعطل محطات الضخ عن العمل، سوف تتوقف المياه العذبة قريباً عن الوصول إلى الصنابير بشكل كامل.
الآثار الصحية المترتبة على ذلك أصبحت واضحة بالفعل. فوفقاً لمسح أجرته اليونيسيف مؤخراً، يعاني 20 في المائة من أطفال غزة من الأمراض المتصلة بالمياه. ومن دون وجود أي إجراءات علاجية، يذهب الوضع إلى مزيد من السوء وحسب.
بصرف النظر عن اللياقة الإنسانية، هناك أسباب براغماتية كثيرة ينبغي أن تدفع إسرائيل إلى القلق. في كل يوم، يصب نحو 3.5 مليون قدم مكعب من مياه الصرف الصحي في البحر المتوسط. وفي المقابل، تعتمد إمدادات مياه إسرائيل الصالحة للشرب بشكل متزايد على تحلية مياه البحر. وتقع واحدة من أكبر منشآتها، في عسقلان، على بعد بضعة أميال على طول الخط الساحلي إلى الشمال من غزة. وفي حين يمكن أن تقيم إسرائيل سياجاً لمنع تسلل "الإرهابيين"، فإنه لا يمكنها وقف تدفق الفضلات البشرية من البحر.
هذه الأزمة في الصرف الصحي ليست سوى مظهر واحد فقط من مظاهر أكثر حدة لكابوس قطاع غزة المائي. فقد أصبح الضغط على الموارد المائية أكبر من أن يمكن تحمله منذ فترة طويلة. وكانت غزة تحصل على مياهها، تاريخياً، من طبقة مياه جوفية ضحلة كامنة تحت التربة الرملية. وكان قد أفرِط في استخدام هذا الخزان للمياه الجوفية مسبقاً قبل العام 1967، عندما كانت مصر تسيطر على قطاع غزة، وحدث تلوث كبير في مياه البحر بسبب المياه العادمة. ولا يزيد حجم التغذية السنوية لغزة من مياه الأمطار على 1.8 إلى 1.9 مليار قدم مكعب، في حين يستخدم سكان غزة الذين يتنامى عددهم بسرعة أكثر من 6 مليار قدم مكعب من المياه سنوياً. ويؤدي هذا العجز المتصاعد إلى تفاقم المشكلة: في العام الماضي، ذكرت الأمم المتحدة أن 95 في المائة من مياه الخزان الجوفي تحت غزة أصبحت غير صالحة للاستهلاك الآدمي بسبب التلوث الناجم عن تسرب مياه البحر، والأسمدة، ومياه الصرف الصحي. ومن المتوقع أن يزيد الطلب على المياه بنسبة 60 في المائة بحلول العام 2020.
لأنهم أصبحوا يدركون جيداً أن المياه في الصنابير تصيبهم بالمرض، أصبح العديد من سكان غزة يشترون المياه المفلترة المعبأة في زجاجات بتكلفة كبيرة. وهناك آخرون ممن يحاولون معالجة المسألة بأيديهم. فبعد الانسحاب الإسرائيلي من غزة في العام 2005، تم حفر آلاف الآبار غير المسجلة في غزة -مما تسبب في المزيد من خفض منسوب المياه الجوفية ونوعية المياه.
مع ذلك كله، يمكن معالجة أزمة المياه في غزة، لكن من الضروري إجراء تغيير جذري للبدء في عملية بطيئة تهدف إلى استعادة طبقة المياه الجوفية. يجب السيطرة على الطلب على المياه بشكل فعال. ويمكن تحقيق خفض فيه عن طريق الحفظ الأفضل للمعروض المحلي وفي الزراعة، في حين سيوفر إنشاء بنية تحتية جديدة ما يتم فقده الآن خلال التسريبات الناجمة عن العيوب في النظام البلدي. لكن الحلول التقنية وحدها لن تقلل الطلب طالما استمر النمو السكاني في غزة متواصلاً بمعدل سنوي حاد يبلغ 3.2 في المائة.
سيكون التوقف التام عن استخراج المياه الجوفية أمراً حتمياً. ويجب أن تأتي المياه إلى غزة من مصادر بديلة، مثل وضع برامج شاملة لجمع مياه الأمطار عن السقوف والتقاط المياه بدل أن تجري في الشوارع. وينبغي رفع مستوى معالجة مياه الصرف الصحي بحيث يمكن إعادة استخدامها في الزراعة (كما هو الحال في الولايات التي تعاني إجهاداً مائياً في أميركا، مثل تكساس وأريزونا). أخيراً، يجب أن تأتي معظم مياه غزة من البحر. كانت تحلية المياه تستخدم منذ العصور الرومانية. واليوم، عملت وفورات الحجم والتحسينات في تكنولوجيا التناضح العكسي على خفض أسعار المياه المحلاة بشكل كبير. وتقول تقارير سلطة المياه في إسرائيل إن كلاً من مرافق تحلية المياه الخمسة الرئيسية لديها يمكن أن تنتج 1.000 لتر من الماء بكلفة تقارب 60 سنتاً في المعدل.
طوال أكثر من 20 عاماً، نوقشت فكرة إنشاء محطة رئيسية لتحلية المياه الرئيسية في غزة، لكنه لم يتم عمل شيء بهذا الخصوص. ويمكن لمرافق التحلية الكبيرة تزويد سكان غزة بسهولة بمياه الشرب بأسعار معقولة. وهناك العديد من المصانع التجريبية الصغيرة العاملة بالفعل، معظمها برعاية الوكالات الدولية، لكنها لا تستطيع أن تلبي سوى جزء صغير من الطلب الحالي.
وافقت سلطة المياه الفلسطينية على إنشاء مرفق تحلية كبير الحجم بكلفة 500 مليون دولار، والذي تدعمه إسرائيل. وقد شرعت إسرائيل بتقديم التدريب على تقنيات التحلية للفلسطينيين. ومع ذلك، ما يزال الإنشاء يعاني من التأخير المستمر بسبب الشكوك في موضوع التمويل.
العائق الآخر، هو أن محطات تحلية المياه تتطلب كميات كبيرة من الكهرباء التي تعاني بدورها من نقص المعروض في غزة، حيث ما يزال الكثير من الطاقة يأتي عن طريق شركة المرافق الإسرائيلية. ولا يساعد الصراع الملتهب بين إسرائيل والحكومة في غزة في حل الوضع، على الرغم من أن إسرائيل ما تزال ملتزمة ببيع الطاقة للأراضي الفلسطينية، بما فيها غزة. وتستمر إسرائيل في بيع المياه لغزة، وقد اتفق الطرفان على مد خط أنابيب سيضاعف كمية المياه التي تزود القطاع بها.
بطبيعة الحال، لا يستطيع سوى هذا النوع من النوايا الحسنة أن يسهل مسار التقدم في محادثات السلام الاسرائيلية الفلسطينية الشائكة. ولكن، مع عدم وجود علامة على إحراز أي تقدم ملموس في المفاوضات، فإن الوقت قد حان للتفكير في فصل أزمة الماء عن القضايا الأخرى الأكثر تعقيداً. تحتاج اتفاقية المياه المؤقتة الموقعة في العام 1995 إلى أن تعكس الواقع الجديد في غزة، لكنه ليس هناك أي سبب يبرر افتقار سكانها إلى موارد المياه الأساسية على هذا النحو.
يحذر برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة من أنه في حال استمرت الاتجاهات الحالية، فإن طبقة المياه الجوفية في غزة قد تصبح معطوبة بشكل لا رجعة فيه بحلول العام 2020. هذا هو أحد المجالات التي يمكن أن ينخرط فيها المجتمع الدولي من أجل تحقيق تحسن ملموس في نوعية حياة الفلسطينيين. وسوف يفضي ذلك، على الأقل، إلى إزالة التلوث وتطهير بيئة أصبحت سامة بشكل خطير.

*ألون تال من جامعة بن غوريون في النقب، هو أستاذ زائر في مركز بيولوجيا الحفظ في جامعة ستانفورد. يوسف أبو ميالة: هو خبير المياه في جامعة الأزهر في غزة.
*نشر هذا المقال تحت عنوان:
 Gaza Need Not Be a Sewer

[email protected]