لبنان بلا "لحود"

المرحلة المقبلة في لبنان ستكون عاصفة، بسبب إصرار الأكثرية اللبنانية على إسقاط الرئيس أميل لحود. وهي أكثرية تتحرك وفق إيقاع وليد جنبلاط، الذي يسعى إلى قطع الطريق أمام أي محاولة لتحقيق وفاق مع الرئيس لحود الذي يحظى بدعم حزب الله والطائفة الشيعية عموما. وخطابه جنبلاط الذي وصفه حسن نصرالله، أمين عام حزب الله،  بخطاب "الحرب الأهلية" يمثل عقل الأكثرية التي تتوزع على السنة والمسيحيين والدروز. فبعد غياب الحريري لم يعد ثمة صوت يعلو على صوت جنبلاط، برغم الرسائل التي يحاول تيار المستقبل إيصالها بأن خطابه غير خطاب جنبلاط.

اضافة اعلان

تحرك الشارع مع خطاب الأكثرية، ووجود أكثرية نيابية لا يعنيان أن المعركة محسومة لصالحه لعدة أسباب. فالتيار المقابل، والذي يمثل حزب الله جوهره، تمكن من شق صفوف الأكثرية عبر التحالف مع الجنرال ميشال عون، صاحب الأكثرية في الوسط المسيحي، وهو ما يهز مفهوم "الأكثرية". وحزب الله ليس مجرد جمهور ورأي عام، بل هو دولة داخل دولة، وقادر على حسم المواجهة عسكريا، خصوصا أنه إضافة إلى قوته العسكرية والأمنية، فقد تمكن خلال حقبة الطائف من اختراق المؤسسة العسكرية والأمنية الرسمية إلى حد بعيد.

فوق ذلك، لا تبدو الإدارة الأميركية قادرة على التدخل، ولا الفرنسيين كذلك، وهم مكتفون بالدعم السياسي الذي تم التعبير عنه علانية أكثر من مرة، لا سيما في آخر زيارة لنجل الحريري إلى واشنطن، وأي تدخل غير التدخل العسكري الحاسم سيظل بلا معنى؛ فالرئيس لحود معزول سياسيا تماما منذ اغتيال الحريري، إذ لا يقابل أحدا ولا يقابله أحد من الأميركيين. أما جنبلاط، صاحب الصوت العالي، فهو عندما كان يمتلك مليشيا لم يحارب ولم ينتصر على سمير جعجع في الجبل لولا تدخل منظمات الصاعقة وفتح الانتفاضة وحلفاء سورية لصالحه.

بعيدا عن الحسم العسكري، ماذا لو نجحت "الأكثرية" في إسقاط إميل لحود سلما، وعبر التحرك الشعبي؛ هل سيعني ذلك حصولها على موقع الرئاسة؟ لا يبدو أن ثمة اتفاقا؛ فالبطرك صفير يريد توافقا مسيحيا يزكيه، وهذا التوافق صعب في ظل تمسك كل طرف بمرشحه. فالجنرال ميشال عون لا يرى أحق منه بالموقع، وهو صاحب الأكثرية في الوسط المسيحي، وسمير جعجع هو الأقرب لـ"الأكثرية"، ونسيب لحود وأمين الجميل ونائلة معوض كلهم لديهم طموح كبير، لكن حظوظهم جميعا تبدو قليلة! وهذا قد يكون العامل الحاسم في بقاء إميل لحود حتى اليوم.

في أوضاع مضطربة يبدو أن أحدا لا يحسم، وتظل الفوضى حاسمة الموقف. فحزب الله يعلم أن إسقاط لحود مقدمة لمواجهة مفتوحة معه، مواجهة قد يكون أعد لها دوليا وإقليميا، لذا فهو قد يستبق المواجهة ويتحرك شعبيا في مواجهة الزاحفين إلى بعبدا. وهو إضافة إلى سنده من الطائفة الشيعية، يجد حليفا مسيحيا معه ممثلا بعون، ولديه رافعة إقليمية تمتد من طهران إلى دمشق وتتوقف في بغداد.

إسقاط لحود ليس لعبة طائفية مسيحية، ولا لبنانية محلية؛ إسقاط لحود قرار يتعدى لبنان إلى الإقليم وصولا إلى واشنطن، وهو ما يحير الفاعلين في لبنان والمنطقة والعالم، والوحيد الذي لا يحتار هو لحود نفسه؛ فسيظل مواظبا على قيافته، وسيجد وقتا كافيا لممارسة هواية السباحة التي لم يتخل عن ممارستها، تماما كما لن يتخلى عن الرئاسة، إذ يصعب عليه تخيل لبنان بلا لحود.

[email protected]