لعبة المعارضة الداخلية

  مع اقتراب موعد إخلاء مستوطنات قطاع غزة، ينشط المستوطنون الإسرائيليون في التعبير عن سخطهم ومعارضتهم لخطة الإخلاء، لكنها أيضا نشاطات لا تخلو من العنف، وتعارض القانون الإسرائيلي. ففي محاولة بائسة لمنع تنفيذ خطة الإخلاء، قامت مجموعة من المستوطنين بإغلاق طرق رئيسة في مدن تل أبيب وحيفا والقدس، وكذلك قامت بإغلاق الطريق الرئيسة بين تل أبيب والقدس. وقامت الشرطة الإسرائيلية بالتصدي لهم، لكنها لم تمارس ضدهم العنف كما كان يمكن أن يحدث لو قام بنفس النشاط عرب إسرائيليون. وتبين هذه الممارسات أن حكم القانون وسيادته مفاهيم غائبة عن المستوطنين، الذين يعتقدون،وبحق، أن الحكومات الاسرائيلية هي المسؤولة عن وجود هذا العدد الهائل والمستفز من المستوطنات. ولا يمكن إنكار ان الحكومات المتعاقبة شجعت النشاطات الاستيطانية، وقدمت الحوافز من أجل خلق وقائع على الأرض.

اضافة اعلان

واستنادا إلى ذلك، لا يمكن إنكار أن هناك معارضة قوية ومنظمة في إسرائيل لخطة الإخلاء المزمع تنفيذها في الأسابيع القادمة، لكن يمكن القول أيضا إن نسبة المعارضين هي الاقلية في إسرائيل، وهي تتصرف بطرق غير ديمقراطية، وتعمل على زرع الخوف لدى الاغلبية التي توافق على خطة الاخلاء.

وفي السياق نفسه، نلاحظ توظيف الحكومة الاسرائيلية السياسي والماهر للمعارضة. إذ يدرك شارون، كما غيره في الحكومة والمعارضة، أن الإخلاء ليس حتميا فقط، وإنما يصب في مصلحة تعريف إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية (إجماع هرتسليا)، ومع ذلك، فهو يحاول توظيف المعارضة من أجل تقديم نفسه إلى العالم الخارجي باعتباره يقدم تنازلات مؤلمة، على حد تعبيره. وقد استفاد شارون في لقاءاته مع القادة الغربيين خصوصا من مظاهر الرفض الشعبي لخطته، عندما أظهر بأن ما يقوم به يلقى معارضة داخلية شديدة، وهو بالتالي لا يستطيع أن يمضي بخطوات كبيرة. ويحاول اليمين الاسرائيلي تفسير وجود هذا الحجم من المعارضة بما يسمى العنف الفلسطيني، مع ان الواقع يشير الى غير ذلك.

في نظرية المفاوضات التي تجري بين طرفين، فان صانع القرار أو السياسي المفاوض يفاوض على جبهتين؛ الأولى داخلية مع منافسيه، وذلك لضمان تمرير والمصادقة على أية اتفاقية قد يتم التوصل اليها مع دولة أخرى، في البرلمان. أما الجبهة الأخرى فهي مع مفاوضي الدولة الثانية. إذ يحاول المفاوض ان يقلل من سقف توقعات خصمه. فالمفاوض الذي ينتمي الى بلد ذي حكم ديموقراطي يستطيع أن يحاصر خصمه من الدولة الثانية بالقول، على سبيل المثال، "بودي لو تنازلت أكثر في هذه النقطة، لكن لا توجد لدي أغلبية نيابية تقبل بالمصادقة على ذلك"! ولا يستطيع الطرف الآخر المفاوض في المقابل، والذي لا ينتمي الى دولة أو نظام حكم ديمقراطي، أن يقوم بنفس المهمة.

ونلاحظ في حقيقة الأمر أن كل رؤساء الوزراء الاسرائيليين عملوا وبشكل منهجي على استغلال مقولة أن الوضع السياسي الداخلي يعمل على تكبيل رؤساء الوزراء. وبالتالي، إذا كان هناك اي تنازل لانجاح المعاهدة المنوي عقدها، فإن على الطرف العربي (غير الديمقراطي مقارنة بخصمه، والذي لا يخضع لمعارضة داخلية) أن يقدمها!

وفي الختام، يجب التنبه الى أن شارون، وإن كان يواجه معارضة داخلية لخطته، الا انه مناور سياسي من الطراز الرفيع، وسيعمل على توظيف الوضع الداخلي من أجل تعظيم مكاسب إسرائيل بالمقارنة مع الفلسطينيين. ومن هنا، فإن المعارضة المعقولة والقانونية لمحمود عباس يجب أن توظف سياسيا، لكن يجب على المعارضة الفلسطينية الابتعاد عن "العنتريات" التي ساعدت اليمين الاسرائيلي كثيرا، والبدء بممارسة السياسة وفق أصولها.