لا أظن أن سلطيا واحدا أو كركيا مهما كانت خلفيته السياسية أو العقائدية أو الاقتصادية يسعى لتعكير صفو الامن في الاردن. هذا البلد الذي طالما اعتُبر أنه والامن صنوان واصبح الامان علامته الفارقة ومصدرا من مصادر عزته وفخاره.
الشواهد على ذلك لا حصر لها. فقبل اقل من عامين تحولت قرية السليحي المجاورة لعين الباشا الى وحدة بحث جنائي ونجحت جهود ابناء القرية في القاء القبض على الارهابي الذي هاجم مكتب المخابرات وقتل عددا من افراده في مخيم البقعة. مثلهم كان ابناء الكرك في العام الماضي عندما تحولوا جميعا الى قناصة ورجال امن يزودون الشرطة بالذخيرة ويحاصرون حركة الارهابيين في القلعة.
هؤلاء الشباب الذين خرجوا وواظبوا على طقوس التعبير في اجواء البرد والمطر يريدون ان يقولوا لنا اشياء ومن واجبنا الاستماع اليهم والتعرف على ماهية استفساراتهم واقتراحاتهم وآرائهم.
لكن قبل اي حديث عن المطالب والمظالم والاحتجاجات ينبغي التذكير بأن الحق في التعبير لا يعطي لأحد رخصة للتجاوز، فالتظاهر عمل مسؤول يحمل رسائل مهمة ومعبرة ولا يشكل منصة للشتم أو التعدي، فهذه الممارسات تخرح النشاط عن قواعده وتبدد غاياته ومقاصده.
في العرف العام لا يوجد سؤال غبي أو ممنوع ولكل سؤال اجابة. لكن المشكلات تتفاقم وتكبر عندما يتجنب المسؤول السؤال أو يتجاهل اصحابه. انا شخصيا لا أحسد رئيس الوزراء على المهمة التي يحاول النهوض بها وسط اصوات الاحتجاج والنقد القادمة من كل الاتجاهات. بعض شركاء الرئيس في التشكيلات السابقة انتقدوا أداء حكومته الاقتصادي وبعض من سيغادرون صفوفها مرشحون للانضمام لزملاء الحقبة السابقة.
لا احد يزعم ان الحكومة لا تستحق النقد، لكن الملاحظ ان الكثير منه لا يستند الى معايير وقواعد موضوعية؛ فالرئيس لا يصنع السياسات ولا ينفذها بمفرده وقد انتخبنا نوابا ليمثلونا في صناعة القرارات ومناقشتها وحمايتنا من تغول الحكومات. كما أن الرئيس الحالي لم يبتدع النهج الحالي ولم يكن الأول الذي لجأ له.
سياسات رفع الدعم قديمة طبّق بعضها سابقا وجرى تأجيل بعضها الآخر. كما أن نهج تولي الدولة لمسؤوليات استيراد النفط وتسعيره من خلال شركات شراء وتوريد وتوزيع متبع منذ زمن. النقد الذي يسوقه البعض للحكومة مستند الى التناقض بين الوعود والقرارات واستسهال الحكومة لإجراء رفع الضرائب والاسعار دون البحث في وسائل تحقيق النمو الاقتصادي، اضافة الى افتقار الكثير من السياسات الى خطاب اعلامي يقنع الناس بجدواها وسلامتها.
ارتفاع سعر الخبز والصعود الدائم لاسعار الطاقة وما يترتب على ذلك من ارتفاعات تطال معظم ما يحتاجه المواطن قضايا مقلقة ومتعبة للاسر التي لا تملك الموارد الكافية. صحيح ان بعض المخابز تتاجر في الطحين المدعوم وصحيح ان بعض الاسر تلقي بكميات كبيرة من الخبز في الحاويات لكن من غير المعقول ان يكون احد مبررات رفع سعر الخبز خوف الحكومة من تهريبه الى اقطار اخرى.
في الاردن ظل الناس لسنوات يتساءلون عن شيفرة تسعيرة المشتقات النفطية التي قيل لهم إن اسعارها مرتبطة بالسوق العالمي، لكنهم ما يزالون يخمنون وبالرغم من محاولات الشرح المعقدة حول هذه المعادلة ولا يجدون اجابة للسؤال البسيط المتعلق بـ "لماذا كان سعر لتر البنزين في 2009 اقل مما هو عليه اليوم بالرغم من أن سعر البرميل في تلك الايام كان ضعف ما هو عليه اليوم؟".
الخروج في اعتصامات ليلية في مناطق الكرك والسلط وحي الطفايلة لا يعني أنّ أيّاً من هذه المناطق أو اهلها في صدام مع الدولة، بل انهم يشعرون بحرية اكبر في طرح اسئلة تتولد في ضمائر البعض وتتوقف على شفاههم.. من غير المقبول تجاهل الاسئلة أو استبعادها وشيطنة اصحابها.. كما انه من غير المقبول أنْ تخرج الهتافات عن حدود اللياقة والاحترام والقانون والدستور.