للأطفال أولويات أخرى


في كل يوم، يحل على عالمنا ما يقارب النصف مليون ضيف، يعلنون عن انضمامهم لنا بصرخة قد تطول أو تقصر تبعا لتجربة الهبوط التي يتخذها المواليد الجدد. من بين النصف مليون مولود الذين ينضمون إلى سكان الأرض في كل يوم، يستقبل الأردن 580 طفلا جديدا يوميا يلتقون بأكثر من 1.2 مليون أسرة أردنية.اضافة اعلان
مواليد هذا العام والأعوام التي مضت، لن يكونوا أيادي إضافية في الحقول والورش والمعامل كما كانت الأجيال التي سبقتهم، فكلهم سيلحق بالحضانات ورياض الأطفال ويتهيؤون ليتوزعوا على ما يزيد على ستة آلاف مدرسة بانتظارهم.
في رحلة الإعداد للحياة، يستعد المواليد الكثر للمتعة والمغامرة والأيام الجميلة، لكنها محفوفة بالمخاطر وتعترضها بعض العقبات التي تقلق الأهل والمربين والقائمين على تحديد ما يحتاج له هؤلاء الأطفال من معارف وخبرات واتجاهات، ليكونوا أكثر قدرة على التكيف والإنتاج والإبداع وليتمتعوا بمستقبل أكثر أمنا وطمأنينة.
التجارب التي عاشها ويعيشها الشباب اليوم، ليست بالمستوى الذي توقعه الأهل، ولا تحقق الرضا للكثير من أبناء وبنات أفواج الخريجين منذ ثمانينيات القرن الماضي. البطالة في أعلى معدلاتها والدخل الأسري لم يتغير كثيرا والمشكلات الاجتماعية في ازدياد وفرص الهجرة والحراك الاجتماعي والزواج في تناقص.
أطفال المدارس الابتدائية والثانوية وحتى رياض الأطفال، منخرطون في شبكات التواصل الاجتماعي مع أقرانهم والعالم واهتماماتهم التي أصبحوا يجدونها متوفرة في برامج الألعاب الإلكترونية والمواقع والمحلات التي تسوق المنتجات والدمار والتسجيلات الخاصة بهم. كثافة ما تنتجه الدور المتخصصة من ألعاب الأطفال والبرامج والطريقة التي تقدم فيها المنتجات للأطفال، تعزز ميل الجيل للإدمان عليها وتحول مضامينها إلى محتوى ثقافي بالغ التأثير على تفكير وشعور واتجاهات وقيم الأطفال وتعميق الفجوة بين الأطفال وأسرهم.
الدقة في الدراسة لنمو الأطفال وميولهم واستخدام نتائج البحوث المعمقة في تصميم الألعاب والترويج لها بين الأطفال، من العناصر المهمة في خلق حالة من الاعتماد والتعلق لدى أبناء المراحل العمرية المستهدفة من الأطفال عليها.
لا أعرف بالضبط كيف ينتقل الصغار من الاهتمام بالألعاب التفصيلية صغيرة الحجم المعدة داخل إطار من الشوكولاته على شكل بيضة إلى ألعاب أخرى تستخدم الديناصورات والخيال وتعطي لها أسماء وأنواعا، ونقلهم إلى أماكن تواجدها وإعادتها، كل ذلك قبل أن ينتقلوا إلى ألعاب المصارعة والمحاكمة ويتعرفوا على أسماء وشخصيات المئات من المصارعين الحقيقيين الذين تحولت سيرتهم إلى مناهج يتابعها الصغار ويتعلمون عنها.
المدارس اليوم تحوي بين أدوارها العشرات من الشلل والجماعات المدرسية التي تتشكل حول الألعاب والهوايات التي لا تعرف الإدارات المدرسية الكثير عما يدور داخلها. المجتمعات الجديدة للصغار اليوم لا تختلف كثيرا في تشكيلها عن القبائل التي كانت تتخذ من بعض الحيوانات أو النباتات أو الجبال رمزا لها.
الأطفال الذين يتابعون رونالدو وميسي والنوادي الرياضية العالمية ويدخلون في هوس جمع بطاقات صور الأبطال الرياضيين ويريدون قمصانا طبعت عليها الأسماء والأرقام والشعارات التي تمثلهم، يحرصون على متابعة ما يأتي به رفاقهم من معلومات أخرى عن فرق موسيقية أو تقليعات تتوالى في الشرق والغرب، حرص الأطفال على إثبات أهميتها والتزامهم بما تراه شللهم مهما ومثيرا يتفوق على كل ما ينصح به الوالدان أو المعلمون.
اللغة التي يستخدمها الأطفال في المراحل العمرية المختلفة، تبدو غامضة وغريبة وتستعصي على الاختراق. الجمع بين الإشارات والإيماءات والألفاظ يحصن الشلل من النفاذ ويعمل الهوية الخاصة بها. أدوار المدارس اليوم مناصرة في نقل المعارف واكتساب المهارات التعليمية بعيدا عما يدور في أوساط الطلبة خارج القاعات الصفية. الكثير من التراجع في اهتمام الأسر التعليمية بما يدور في حرم مدارسهم عائد لتقسيم العمل وانشغالات الكوادر باهتمامات وأدوار أخرى خارج المدرسة. بعض الألفاظ والممارسات التي يقوم بها الصغار تخالف القواعد الأخلاقية والسلوكية للمراحل العمرية والطفولة. الشتم والإهانة والتهكم والضرب والإيذاء، قضايا يشهدها المعلمون ولا يملكون وسائل كافية لردعها أو تغييرها. الإفراط في الحديث عن الحرية واختلاط الطلبة القادمين من خلفيات ثقافية واجتماعية متباينة يؤدي إلى تنوع الأحكام والحلول والمواقف التي تواجه الجميع. من المهم التفكير في توفير حدود دنيا من المعرفة والأجناس بين الأطفال لضمان فعالية التعليم والتدريب وحماية الطلبة من التعرض لما قد يفسد ما تم اكتسابه من العملية التعليمية ومسيرة الإعداد للحياة.