للنجاح ألف أب

كما يقال، الخسارة يتيمة وللنجاح ألف أب. وبعد انتخابات نقابة المهندسين التي فازت فيها قائمة "نمو"، كان طبيعيا أن تظهر رغبات تجيير النصر لاتجاهات أو أشخاص، خصوصا وأن "نمو" ليست حزبا أو تيارا سياسيا محددا، كما هو حال القائمة الأخرى التي تمثل حزب جبهة العمل الإسلامي وآخرين من التيار نفسه.اضافة اعلان
في السابق، كان ثمة عنوانان واضحان هما القائمة البيضاء (إسلاميون) وقائمة خضراء (قوميون ويساريون)، وبالتالي لم يكن هناك حاجة للتجيير؛ حيث الخلفية الفكرية واضحة ومحددة للمعسكرين ولم يكن يعقب الانتخابات إلا التلاوم الداخلي على عدم الالتزام بجميع أفراد القائمة، وهو ما كانت تعاني منه غالبا القائمة الخضراء، وكان اللافت هذه المرة حجم الالتزام غير المسبوق بالقائمة التي حقق أعضاؤها مع النقيب أرقاما متقاربة في جميع المحافظات. والتطور الآخر الذي طرأ في القائمة البيضاء (اسمها إنجاز في هذه الانتخابات)، أنها أصبحت أكثر ضيقا بعد احتجاج مستقلين وخروجهم بسبب عدم تلبية طلبهم بنقيب غير حزبي لإظهار عدم احتكار التيار الإسلامي الحزبي للنقابة. وكان هذا من حظ قائمة "نمو" التي أحاذر هنا من تقديم وصف سياسي لها خشية من تهمة "التجيير"، ثم إن القائمة تمثل بالفعل تنويعا واسعا، بما في ذلك إسلاميون سابقون ضاقوا ذرعا بالهيمنة الأحادية للتيار الإسلامي على النقابة لأكثر من ربع قرن.
قائمة "نمو" تحتوي على مخضرمين من أساطين العملين النقابي والسياسي، كانوا من أعمدة القائمة الخضراء التي تصنف سياسيا بأنها تمثل التيار القومي واليساري، لكنهم استوعبوا الدرس بعد كل الضربات السابقة والخيبات وقاموا بتحول حاسم وأنشؤوا جسما (تحالفا) جديدا يقوم على فكرتين؛ الأولى هي المهننة أي مزيدا من الاهتمام بالشأن المهني المباشر ومشاكل نقابتهم ومعاناة المهندسين، والثاني الاستقلالية عن أي لون سياسي وإيديولوجي وإعطاء مكانة رئيسية للمستقلين، وهذا كان ينسجم كثيرا مع النقد القوي الذي وجه للقائمة البيضاء المهيمنة، فكل مراقب كان يرى التجيير الفاقع للنقابة للون الإسلامي، وفي فترات معينة فقد كانت النقابة تبدو كأنها المقر العام لحركة حماس، وسميت القاعات بأسماء شهدائها وقدمت التبرعات من مال النقابة لها ولمؤسسات إسلامية خيرية. ولم يحدث في تاريخ النقابات المهنية مثل هذا الاستخدام السياسي الجائر لنقابة يفترض أنها في النهاية مؤسسة لأبناء مهنة ينتمون لمختلف التيارات، بل إن أغلبيتهم لا ينتمون لأي تيار. وقد عاصرت شخصيا مراحل من الحياة النقابية وكنت عضوا في المجلس المشترك لممثلي النقابات المشرف أيضا على مجمع النقابات، ومع أننا كنا سياسيين وحزبيين، فقد كنا نحاذر كثيرا إظهار أي تلوين سياسي خاص في الخطاب والأنشطة النقابية خارج الموقف الوطني والقومي العام.
قائمة "نمو"، بسبب طبيعتها نفسها وليس خيارها فقط، لن تجير النقابة سياسيا، لكنها ستحاول إزالة مظاهر التجيير السابقة وإعطاء المهندسين الإحساس بأن هذه مؤسسة نقابية مهنية لهم جميعا، بما في ذلك الإسلاميون الذين يحتفظون بالمناسبة بالأغلبية الساحقة من الهيكل القيادي للنقابة بعد فوزهم في انتخابات مجالس الشعب والمجلس المركزي، ونخشى أن هذا قد يؤدي الى حالة شلل بسبب التضارب أو الرغبة في التفشيل بين الجانبين، ونأمل ألا يحدث ذلك، والتصريحات من النقيب الجديد ومن النقيب السابق مليئة بالإيجابية والنوايا الحسنة، لكن لو كان لي أن أبدي رأيا، فأنا مع وضع نظام جديد للانتخابات وهيكل النقابة ثم إجراء انتخابات على أساسه حتى لو كانت انتخابات مبكرة، وهو ما سنتحدث عنه في وقت لاحق.