لماذا أيد النسور ضرب سورية؟

لجأت الحكومة إلى كل وسائل الاتصال لاحتواء عاصفة الردود النيابية والسياسية على تصريحات رئيس الوزراء د. عبدالله النسور، لهيئة الإذاعة البريطانية "بي. بي. سي"، التي قال فيها إن الأردن يؤيد توجيه ضربة جراحية محدودة ومدروسة بعناية لسورية، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية. وفي نفس التصريحات، أكد النسور أن الأردن لن يشارك في هذه العملية، ويتمسك بالحل السياسي للأزمة السورية.اضافة اعلان
لكن عند التدقيق في مضمون التوضيحات الحكومية لاستدراك الموقف، يتبين أن رئيس الوزراء لم يتراجع أو ينفِ الجملة الذهبية في تصريحاته لـ"بي. بي. سي"، والمتعلقة بتأييد الأردن للضربة العسكرية.
في اعتقادي أن المقابلة مع "بي. بي. سي" كانت من أجل هذه الجملة فقط لا غير، وقد وصلت الرسالة المطلوبة منها للجهة المعنية.
خلال جلسات الاستماع في الكونغرس الأميركي، والمخصصة لمناقشة مشروع قانون توجيه ضربة لسورية، تردد اسم الأردن كثيرا على لسان وزير الخارجية الأميركي جون كيري. ففي مسعى من إدارته لإقناع المشرعين الأميركيين بدعم قرار البيت الأبيض، قال كيري أكثر من مرة إن: حلفاءنا في الشرق الأوسط، وفي مقدمتهم الأردن، وبالطبع إسرائيل، ينتظرون منا أن نفعل شيئا لردع النظام السوري عن استخدام السلاح الكيماوي مرة أخرى ضد جيرانه.
كان هذا واحدا من أقوى المبررات التي ساقها كيري لإقناع الكونغرس بضرورة القيام بعمل عسكري ضد سورية. ولذلك، كان مطلوبا من الأردن وغيره من حلفاء الولايات المتحدة أن يقولوا كلمة تدعم موقف الإدارة الأميركية. تركيا كانت أعلنت في وقت مبكر استعدادها ليس لدعم الضربة العسكرية فقط، بل والمشاركة فيها. ومن جهتها، قدمت إسرائيل التسهيلات اللوجستية للمدمرات الأميركية، وشعر قادتها بالإحباط عندما أرجأ الرئيس الأميركي باراك أوباما، الضربة إلى حين الحصول على دعم الكونغرس. لم يبق سوى الأردن. ولاعتبارات كثيرة، لم يكن مطلوبا منه أكثر من دعم معنوي لعملية عسكرية، لن يكون له، وبحكم طبيعتها، دور مباشر فيها، أو حاجة إلى استخدام أراضيه منطلقا لها.
واقعيا، لم يكذب رئيس الوزراء على الرأي العام الأردني؛ فالأردن لن يكون منطلقا للهجوم على سورية، والقوات المسلحة الأردنية لن تشارك فيها، أو تقدم تسهيلات لها. كما لم يتراجع الأردن عن إيمانه بأن الحل السلمي هو الخيار الوحيد لحل الأزمة السورية؛ كافة الأطراف المؤيدة والمعارضة للضربة العسكرية، تتمسك بـ"جنيف2" كسبيل لحل الأزمة.
ومع ذلك، يظل موقف الحكومة في هذا الشأن غير معهود. إذ لم يسبق أن أعلن الأردن تأييده لعمل عسكري أجنبي ضد بلد عربي، على الأقل بشكل علني. عندما قامت الولايات المتحدة بغزو العراق العام 2003، عارض الأردن ذلك، لكنه لم يكن قادرا على منعه، ووافق على تقديم تسهيلات محدودة لقوات التحالف، وأبقى ذلك الأمر طي الكتمان.
الأردن ليس كباقي دول المنطقة؛ هامش المناورات أمامه محدود للغاية. في معظم الظروف، لا يستطيع أن يقول "نعم" صريحة، أو "لا" قاطعة. حسابات المصالح تتطلب مقاربات معقدة ومتناقضة بعض الشيء، ومواقف لا تتطابق دائما مع المشاعر الشعبية.
عندما احتاج الأردن إلى دعم قدراته الدفاعية في مواجهة أخطار الوضع المتفجر على حدوده الشمالية، قدمت الولايات المتحدة له بطاريات "باتريوت"، وسربا من طائرات "أف16"، والمئات من العناصر المختصة لتدريب قواته على مواجهة أخطار "الكيماوي". فكيف له بعد ذلك أن يمتنع عن تقديم دعم معنوي للإدارة الأميركية التي تواجه موقفا صعبا في الكونغرس؟!
نختلف أو نتفق مع هكذا سلوك، لكن هذه هي السياسة الرسمية الأردنية في كل الأزمات والحروب التي شهدتها المنطقة منذ عقود.