لماذا اختفت السينما الجميلة من حياتنا؟

لماذا اختفت السينما الجميلة من حياتنا؟
لماذا اختفت السينما الجميلة من حياتنا؟

    القاهرة- شهد موسم الصيف في مصر منافسة ساخنة بين ‏13‏ فيلما تم عرضها في‏ 15‏ أسبوعا هي إجمالي موسم الصيف، وكل هذه الأفلام باستثناء فيلم "السفارة في العمارة" لم تقدم جديدا‏,‏ ولم تطرح قضية وجنحت إلى الاستسهال والابتذال والاقتباس. حتى الأفيشات تم كشف سرقة أفكارها عن أفلام أجنبية شهيرة‏,‏ وهذه الأيام يتم عرض‏4‏ أفلام جديدة ومثل سابقاتها لم تقدم جديدا‏,‏ الحسنة الوحيدة في كل هذه الأفلام هي التنوع، فهناك الفيلم الكوميدي والاجتماعي والسياسي والبوليسي والأكشن لأول مرة منذ سنوات‏,‏ وما يحدث في السينما الآن عكس ما كان يحدث في الماضي، حيث كانت السينما المصرية موضوعية في طرحها لقضايا المجتمع بكل أخطائه وخطاياه‏,‏ وكان المشاهد يخرج منها يحمل الأمل والرغبة في تغيير ذاته ومجتمعه، من منطلق حبه لهذا المجتمع‏.‏

اضافة اعلان

   كانت السينما لا تكذب وقد تتجمل أحيانا والآن أصبحت تكذب ولا تتجمل بالمرة‏,‏ وإنما تتعمد تقديم البذاءة والألفاظ النابية والإفيهات الجنسية‏,‏ وإظهار الجانب السيئ في كل شيء‏. وقفز أنصاف الموهوبين سواء ممثلين أم مخرجين أم مؤلفين يعيثون فيها فسادا‏,‏ فكيف وصلت السينما إلى هذا المستوى؟‏!‏ ولماذا اختفت السينما الجميلة من حياتنا؟‏!‏ هذا ما يناقشه التحقيق التالي‏.‏

   في البداية تقول الناقدة والسيناريست ماجدة خيرالله السينما الجميلة ليست بالضرورة هي التي تعرض قضية أو تناقش مشكلة، ولكن هي التي تتضمن قيما جميلة وأحاسيس حلوة مرهفة‏,‏ ففي الماضي شاهدنا أفلاما مثل "شارع الحب"، "الرجل الثاني"، "يوم من عمري"، " غزل البنات" وغيرها وكل هذه الأفلام لا تعالج قضية‏,‏ لكنها تنتمي إلى السينما الجميلة المليئة بالعناصر الفنية الجيدة من حيث القصة والسيناريو والإضاءة والإخراج والتمثيل‏,‏ وفي نفس الوقت نقدم قيما إنسانية جميلة مثل الوفاء والإخلاص والاهتمام بالعمل، فمثلا في فيلم "الوسادة الخالية" عندما تخلت البطلة عن حبيبها أو لبنى عبدالعزيز عن عبدالحليم حافظ لم يضربها ولم يهددها برقبة زجاجة أو غيرها من أمور البلطجة التي نشاهدها في الأفلام الحالية، لكنه أصر على النجاح حتى تندم حبيبته على تركه‏,‏ وهكذا كان دائما الحبيب عندما يصدم في المجتمع أو في الحبيبة يصمم على النجاح بطرق شرعية، حتى يكون ذا قيمة ويتجاوز الفشل، لهذا مازالت هذه الأفلام محفورة في ذاكرتنا جميعا‏,‏ أما الأفلام الحالية فمشكلتها إنها رديئة ومليئة بالقبح والحوار، فيها متدن إلى أقصى درجة، ولا تقدم صورة واقعية لما يحدث حاليا على مستوى العالم العربي، ولا يوجد فيها عنصر من عناصر الجمال الذي يجب أن يتوافر في الفن عامة فما الجمال في أفلام مثل "بوحة "و"يا أنا يا خالتي" و"عوكل" و"خالتي فرنسا" ؟‏!‏ وفي النهاية تؤكد خيرالله أن اختفاء السينما الجميلة يعود إلى ضحالة فكر المسيطرين عليها حاليا ممثلين ومؤلفين ومخرجين ومنتجين‏.‏

الحالة الاقتصادية

   ويرجع السيناريست والناقد السينمائي رفيق الصبان اختفاء السينما الجميلة إلى الحالة الاقتصادية والاجتماعية السيئة التي يمر بها العالم العربي حاليا، والتي انعكست على السينما لدرجة أنها تحولت من دار للأحلام إلى دار للكوابيس‏,‏ ويقول في الماضي كنا نذهب إلى السينما لنرى عالما جميلا مليئا بالأحلام والطموحات والمشاعر النبيلة‏,‏ الآن أصبحنا نذهب لنرى عالما نرفض تصرفاته لأنه مليء بالوقاحة وقلة الأدب وبعيد تماما عن عاداتنا وأخلاقنا التي نشأنا عليها‏.‏

انحطاط

   أما المخرج محمد كامل القليوبي فيقول بسخرية لاذعة: أنا مؤمن بالمثل القائل هذا الشبل من ذاك الأسد، وأنا أقول هذه السينما الرديئة المنحطة التي نشاهدها حاليا من تلك اللبوءة‏!‏ واللبوءة هنا أقصد بها الانحطاط العام الموجود في المجتمع‏,‏ وهذا الانحطاط ليس قاصرا فقط على السينما لكنه موجود في كل وسائل الإعلام فلغة التخاطب أصبحت بذيئة، وأبسط مثال على ذلك تلك الجرائد التي تظهر كل يوم والمليئة بالعناوين العامية الركيكة جدا، التي تخجل من قراءتها أمام أولادك حتى لا يتأثروا بها‏..‏ ويضيف القليوبي لست ضد البذاءة لأنها موجودة في المجتمع، لكن لابد أن يكون بجوار هذه الأفلام البذيئة أفلام محترمة تمثلنا في المهرجانات العربية والدولية أليست مصيبة إنه لا يوجد فيلم واحد يمثلنا في المهرجانات والمحافل الدولية‏.‏

   وعن نجاح الأفلام الحالية وتحقيقها لإيرادات عالية يقول: هذه الأفلام لم تنجح لأنها بذيئة ولكنها نجحت لأنها جزء من البذاءة العامة الموجودة في المجتمع‏.‏

المنتج الفنان

   وتؤكد الناقدة إيريس نظمي أن اختفاء المنتج الفنان كان السبب وراء الانهيار الأخلاقي والفني الذي يحدث في السينما الآن، وبالتالي اختفاء السينما الجميلة ففي الماضي كان معظم الفنانين يمتلكون مكاتب إنتاجية يقدمون من خلالها إنتاجهم، فكنا نرى أفلاما رغم بساطتها إلا أنها متميزة ومبهرة من إنتاج آسيا، ماري كويني، رمسيس نجيب، محمد عبدالوهاب، فريد الأطرش، عبدالحليم حافظ، شادية، ماجدة، فاتن حمامة وغيرهم‏,‏ اليوم أصبح المسيطر على الساحة الفنية نوعية أخرى من المنتجين بعضهم جزارون والبعض الآخر مستثمرون وكلهم همهم الرئيسي التجارة والربح فقط بعيدا عن الفن‏,‏ لكن ذاكرتنا السينمائية والأيام القادمة ستنتصر لأفلام جيدة مثل" بحب السيما" ،" سهر الليالي"، "أحلى الأوقات" ،" باب الشمس "وستتوارى أفلام "بوحة" و"عوكل" و"خالتي فرنسا" وغيرها من هذه النوعية من الأفلام الهزيلة فكريا وفنيا‏.‏

المجتمع

   ويرى الناقد السينمائي ورئيس الرقابة السابق مصطفى درويش" أن السينما مرآة للمجتمع‏,‏ والمجتمع المصري اليوم ليس جميلا وبالتالي لابد أن تختفي السينما الجميلة كما اختفت أشياء كثيرة جميلة من حياتنا‏,‏ ويقول بالإضافة إلى أن السينمائيين لدينا لا توجد لديهم القدرة على المقاومة فالفنان منهم ـ خاصة المخرجين ـ يبدأ مشواره الفني بفيلم قوي جميل وعندما يجد زملاؤه من حوله يقدمون أفلاما تافهة وتحقق إيرادات عالية يترك المبادئ والمثل التي كان ينادي ويؤمن بها في بداياته، وسرعان ما يقفز ويركب الموجة ويسبح فيها لدرجة الغرق. المهم عنده أن يلم قرشين لكن ليس بالمال وحده يحيا الفنان".

   وعن كيفية عودة السينما الجميلة مرة أخرى لحياتنا يضيف : عندما تصبح الشوارع نظيفة وفترينات المحلات (شيك) ويقبل الولد يد والده ويهتم الناس بعملهم ويتفانون فيه‏,‏ ويتخلص الفنانون الحاليون من عقدهم‏..‏ ستعود السينما الجميلة كما كانت وكما نتمنى أن تكون‏.